وقال أبو حَنيفةَ، ومالكٌ، وأبو سُليمانَ: يُعيدُ الحَجَّ والعُمرةَ، واحتَجُّوا بقولِ اللَّهِ تَعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، ما نَعلمُ لهم حُجةً غيرَها، ولا حُجةَ لهم فيها؛ لأنَّ اللَّهَ تَعالى لم يَقلْ فيها: لَئن أشرَكتَ لَيحبَطنَّ عَملُك الذي عمِلتَ قبلَ أنْ تُشرِكَ، وهذه زيادةٌ على اللَّهِ تَعالى لا تَجوزُ، وإنَّما أخبَر تَعالى بأنَّه يَحبَطُ عَملُه بعدَ الشِّركِ إذا ماتَ أيضًا على شِركِه، لا إذا أسلَم، وهذا حَقٌّ بلا شكٍّ.
ولو حجَّ مُشركٌ أو اعتمَر، أو صلَّى، أو صامَ، أو زكَّى، لم يُجزِئْه شيءٌ من ذلك عن الواجبِ، وأيضًا فإنَّ قولَه تَعالى فيها: ﴿وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ بَيانٌ أنَّ المُرتدَّ إذا رجَع إلى الإسلامِ لم يَحبَطْ ما عمِل قبلُ في إسلامِه أصلًا، بل هو مَكتوبٌ له ومُجازًى عليه بالجَنةِ؛ لأنَّه لا خِلافَ بينَ أحدٍ من الأُمةِ -لا هُمْ ولا نحن- في أنَّ المُرتدَّ إذا راجَع الإسلامَ ليس من الخاسِرينَ، بل من المُربِحينَ المُفلحينَ الفائزينَ.
فصحَّ أنَّ الذي يَحبَطُ عَملُه هو المَيِّتُ على كُفرِه مُرتدًّا أو غيرَ مُرتدٍّ، وهذا هو من الخاسِرينَ بلا شكٍّ، لا مَنْ أسلَم بعدَ كُفرِه أو راجَع الإسلامَ بعدَ ردَّتِه، وقال تَعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ [البقرة: ٢١٧]. فصحَّ نصُّ قولِنا: مِنْ أنَّه لا يَحبَطُ عَملُه إنِ ارتدَّ إلا بأنْ يَموتَ وهو كافِرٌ.