للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفُسَهم وأهليهم يومَ القيامةِ، وهذا ليس لِمن ماتَ على عَملٍ صالِحٍ؛ لأنَّه إذا عادَ إلى الإسلامِ فقد غُفر له الارتِدادُ الماضي؛ لأنَّ التائبَ من الذَّنبِ كمن لا ذَنبَ له، وإذا زال الذَّنبُ زالت عُقوباتُه وموجِباتُه، وحُبوطُ العَملِ من موجِباتِه، يُبيِّنُ هذا أنَّه لو كان فعَل في حال الرِّدةِ ما تَقتضيه الرِّدةُ من شَتمٍ أو سبٍّ أو شِركٍ لم يُقَمْ عليه إذا أسلَم، ولأنَّ الكافِرَ الحَربيَّ لو تَقرَّب إلى اللهِ بأشياءَ ثم خُتِم له بالإسلامِ لكانت مَحسوبةً له، بدَليلِ ما رَوى حَكيمُ بنُ حِزامٍ، قال: قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأيتَ أشياءَ كُنْتُ أتَحنَّثُ بها في الجاهِليةِ من صَدقةٍ أو عَتاقةٍ، وصِلةِ رَحمٍ، فهَل فيها من أجْرٍ؟ فقال النَّبيُّ : «أسلَمتَ على ما سَلفَ من خَيرٍ» متَّفقٌ عليه، فإنَّه لا يُحبِطُ الكُفرُ الطارِئُ إلا بشَرطِ المَوتِ أحرَى وأوْلى؛ لأنَّ بَقاءَ الشَّيءِ أوْلى من ابتِدائه وحُدوثِه، والدَّفعَ أسهَلُ من الرَّفعِ، ولهذا قالوا: الرِّدةُ والإحرامُ والعدَّةُ تَمنعُ ابتِداءَ النِّكاحِ دونَ دَوامِه.

كيفَ وتلك الأعمالُ حينَ عُمِلت للهِ سُبحانَه، وقد غفَر اللهُ ما كان بعدَها من الكُفرِ بالتَّوبةِ منه (١).

وقال ابنُ حَزمٍ : مَنْ حجَّ واعتمَر ثم ارتدَّ ثم هَداه اللَّهُ تَعالى واستَنقذَه من النارِ فأسلَم فليس عليه أنْ يُعيدَ الحَجَّ ولا العُمرةَ، وهو قولُ الشافِعيِّ، وأحدُ قولَيِ اللَّيثِ.


(١) «شرح العمدة» (٤/ ٣٨، ٤٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>