وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢١٧]، فيَجبُ حَملُ المُطلقِ على المُقيَّدِ، فلا يَحبَطُ العَملُ إلا بالوَفاةِ على الكُفرِ.
والجَوابُ أنَّ الآيةَ الأُخرى ليست مُقيِّدةً لِلآيةِ الأُولى؛ لأنَّها رُتِّب فيها شَرطانِ، وهُما الحُبوطُ والخُلودُ على شَرطَين، وهُما الرِّدةُ والوَفاةُ على الكُفرِ.
وإذا رُتِّب مَشروطانِ على شَرطَينِ أمكَن التَّوزيعُ، ويَكونُ الحُبوطُ المُطلقُ الرِّدةَ والخُلودَ لِأجلِ الوَفاةِ على الكُفرِ؛ فيَبقَى المُطلقُ على إطلاقِه، ولم يَتعيَّنْ أنَّ كلَّ واحدٍ من الشَّرطَين شَرطٌ في الإحباطِ، فليست هاتانِ الآيَتانِ من بابِ حَملِ المُطلقِ على المُقيَّدِ، فتَأمَّل ذلك، فهو من أحسنِ المَباحثِ سُؤالًا وجَوابًا (١).
وقال في «الذَّخيرةِ»: وجَوابُه من وَجهَين:
أحدُهما: أنَّ القائلَ لِعبدِه: «إنْ دخَلتَ الدارَ فأنتَ حرٌّ»، ثم قال له في وقتٍ آخرَ:«إنْ دخَلتَ الدارَ وكلَّمتَ زَيدًا فأنتَ حرٌّ»، فإنَّه يُعتَقُ بالدُّخولِ وحدَه اتِّفاقًا؛ لأنَّه جعَل لِعتقِه سَبيلَين؛ لأنَّ الشُّروطَ اللُّغويَّةَ أسبابٌ، وقد وُجد أحدُهما فتَرتَّب عليه الحُكمُ، وليس هذا من بابِ الإطلاقِ والتَّقيُّدِ.
وثانيهما: سَلَّمناه، ولكنَّ المُرتَّبَ على الرِّدةِ الموافاةِ عليها أمرانِ: الحُبوطُ، والخُلودُ، وتَرتيبُ شَيئَين على شَيئَينِ يَجوزُ أنْ يُفرَدَ أحدُهما