للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّهم -أي: الحَنفيةَ والحَنابلةَ- اختلَفوا، هل وُجودُ المَحرَمِ شَرطُ وُجوبٍ أو شَرطُ أداءٍ؟ على قولَين عندَ الحَنفيةِ والحَنابلةِ، فمن قال: إنَّه شَرطُ وُجوبٍ يَقولُ: لا يَجبُ عليها الإيصاءُ به بعدَ مَوتِها.

ومَن قال: إنَّه شَرطُ الأداءِ، قال: يَجبُ عليها أنْ تُوصيَ به؛ لأنَّ المَوتَ بعدَ الوُجوبِ، وإنَّما عُذرَت في التَّأخيرِ، ولأنَّ شُروطَ الحَجِّ المُختصَّةَ بها قد كَمُلت، وإنَّما المَحرَمُ لحِفظِها، فهو كتَخليةِ الطَّريقِ وإمكانِ المَسيرِ.

وقد اختلَفوا أيضًا في نفَقةِ المَحرَمِ، هل تَكونُ من مالها أو لا؟

فذهَب الحَنفيةُ في الصَّحيحِ والحَنابلةُ إلى أنَّ نفَقةَ المَحرَمِ في الحَجِّ عليها؛ لأنَّ المَحرَمَ أو الزَوج من ضَروراتِ حَجِّها بمَنزلةِ الزادِ والراحِلةِ، ولا يُمكِنُ إلزامُ ذلك الزَّوجِ أو المَحرَمِ من مالِ نَفسِه، فيَلزمُها ذلك له، كما يَلزمُها الزادُ والراحِلةُ لِنَفسِها، فعلى هذا يُعتبرُ في استِطاعَتِها أنْ تَملِكَ زادًا وراحِلةً لها ولمَحرَمِها.

وذكَر القاضي في شَرحِه «مُختصَرِ الطَّحاويِّ»: أنَّه لا يَلزمُها ذلك، وهو رِوايةٌ عن مُحمدٍ، وهو قولُ أبي حَفصٍ البُخاريِّ؛ لأنَّ الواجبَ عليها الحَجُّ، لا إحجاجُ غيرِها.

قال الكاسانيُّ : وَجهُ ما ذكَره القاضي: أنَّ هذا من شَرائطِ وُجوبِ الحَجِّ عليها، ولا يَجبُ على الإنسانِ تَحصيلُ شَرطِ الوُجوبِ؛ بل إنْ وُجد الشَّرطُ وجَب، وإلا فلا، ألا تَرى: أنَّ الفَقيرَ لا يَلزمُه تَحصيلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>