للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالِثُ: أمرُه إياه بتَركِ الغَزوِ للحَجِّ مع امرَأتِه، ولو جازَ لها الحَجُّ بغيرِ مَحرَمٍ أو زَوجٍ لما أمرَه بتَركِ الغَزوِ، وهو فَرضٌ للتطوُّعِ.

وفي هذا دَليلٌ أيضًا على أنَّ حجَّ المَرأةِ كان فرضًا ولم يَكنْ تطوُّعًا؛ لأنَّه لو كان تطوُّعًا لَما أمَره بتَركِ الغَزوِ الذي هو فَرضٌ لتطوُّعِ المَرأةِ، ومن وَجهٍ آخرَ، هو أنَّ النَّبيَّ لم يَسألْه عن حَجِّ المَرأةِ: أفَرضٌ هو أم نَفلٌ؟ وفي ذلك دَليلٌ على تَساوي حُكمِهما في امتِناعِ خُروجِها بغيرِ مَحرَمٍ، فثبَت بذلك أنَّ وُجودَ المَحرَمِ للمَرأةِ من شَرائطِ الاستِطاعةِ (١).

ولأنَّها إذا لم يَكنْ معها زَوجٌ ولا مَحرَمٌ لا يُؤمَنُ عليها؛ إذ النِّساءُ لَحمٌ على وَضَمٍ إلا ما ذبَّ عنه.

حتى إنَّ الحَنفيةَ قالوا: إذا لم تَجدْ مَحرمًا تَقعدُ إلى أنْ تَبلغَ وقتًا تَعجِزُ عن الحَجِّ فيه، ثم تَبعثُ من يحُجُّ عنها.

قال ابنُ عابدينَ : ومن العَجزِ الذي يُرجَى زَوالُه عَدمُ إيجادِ المَرأةِ مَحرَمًا، فتَقعدُ إلى أنْ تَبلغَ وقتًا تَعجِزُ عن الحَجِّ فيه، أي: لكبَرٍ أو عمًى أو زَمانةٍ، فحينَئذٍ تَبعَثُ من يحُجَّ عنها، أما لو بعَثت قبلَ ذلك لا يَجوزُ لتَوهُّمِ وُجودِ المَحرَمِ، إلا إنْ دامَ عَدمُ المَحرَمِ إلى أنْ ماتَت فيَجوزُ، كالمَريضِ إذا أحَجَّ رَجلًا ودامَ المَرضُ إلى أنْ ماتَ كما في البَحرِ وغيرِه (٢).


(١) «أحكام القران» (٢/ ٣٠٨، ٣٠٩).
(٢) «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٦٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>