للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبيَّ لمَّا سُئل عمَّا يُوجِبُ الحَجَّ، قال: «الزادُ والراحِلةُ» (١).

وهذا له زادٌ وراحِلةٌ، ولأنَّ هذا عُذرٌ يَمنعُ الأداءَ نَفسَه، فلم يَمنعِ الوُجوبَ كالعَضبِ، ولأنَّ إمكانَ الأداءِ ليس بشَرطٍ في وُجوبِ العِباداتِ، بدَليلِ ما لو طهُرتِ الحائضُ أو بلَغ الصَّبيُّ أو أفاقَ المَجنونُ، ولم يَبقَ من وقتِ الصَّلاةِ ما يُمكِنُ أداؤها فيه، والاستِطاعةُ مُفسَّرةٌ بالزادِ والراحِلةِ؛ فيَجبُ المَصيرُ إلى تَفسيرِه، والفَرقُ بينَه وبينَ الزادِ والراحِلةِ أنَّه يَتعذَّرُ مع فقدِه -إمكانِ المَسيرِ- الأداءُ دونَ القَضاءِ، وفَقدُ الزادِ والراحِلةِ يَتعذَّرُ معه الجميعُ، فافترَقا.

وفائدةُ الخِلافِ تَظهرُ في وُجوبِ الحَجِّ عنه بعدَ مَوتِه، فمن قال: إنَّه من شَرطِ الأداءِ ثم ماتَ قبلَ وُجودِ هذا الشَّرطِ حُجَّ عنه بعدَ مَوتِه، أي: يَجبُ عليه أنْ يُوصيَ بالحَجِّ، وإنْ أُعسِر قبلَ وُجودِه بَقي في ذمَّتِه.

ومَن قال: إنَّه من شَرطِ الوُجوبِ، يَقولُ: لا تَجبُ الوصيَّةُ بالحَجِّ عنه بعدَ مَوتِه؛ لأنَّ الحَجَّ لم يَبقَ عليه، ولم يَصرْ دَينًا في ذمَّتِه فلا تَلزمُه الوصيَّةُ (٢).


(١) حَديثٌ ضَعيفٌ: تقدم.
(٢) «بدائع الصنائع» (٣/ ٤٦)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٥١٢)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٤٩١)، و «شرح مختصر خليل» (٢/ ٢٨٤)، و «الذخيرة» (٣/ ١٧٩)، و «روضة الطالبين» (٣/ ١٢)، و «المجموع» (٧/ ٥٨)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٠٧، ٤٠٨)، و «المغني» (٤/ ٣٢)، و «المسلك المتقسط» ص (٣٤)، و «الفروع» (٣/ ٢٣٣)، وهنا مَسألَتان يَنبَغي ذِكرُهما:

<<  <  ج: ص:  >  >>