وذهَب المالِكيةُ والشافِعيةُ في الأصحِّ إلى أنَّه يَلزمُه صَرفُ مال تِجارتِه لنفَقةِ الحَجِّ، ولو لم يَبقَ رَأسُ مالٍ لتِجارتِه.
قال الإمامُ النَّوويُّ ﵀: إذا كانت له بضاعةٌ يَكتسِبُ بها كِفايتَه وكِفايةَ عيالِه، وكان له عَرضُ تِجارةٍ يحصِّلُ من غَلَّتِه كلَّ سَنةٍ كِفايتَه وكِفايةَ عياله، وليسَ معه ما يحُجُّ به غيرُ ذلك، وإذا حجَّ به كَفاه وكَفى عيالَه ذاهِبًا وراجِعًا، ولا يَفضلُ شيءٌ، فهل يَلزمُه الحَجُّ؟ فيه وَجهانِ مَشهورانِ:
أحدُهما: لا يَلزمُه، وهو قولُ ابنِ سُريجٍ وصحَّحه القاضي أبو الطيِّبِ والرُّويانيُّ والشاشيُّ، قال: لأنَّ الشافِعيَّ قال: المُفلسُ يُترَكُ له ما يَتَّجرُ بهِ؛ لئلَّا يَنقطِعَ ويَحتاجَ إلى الناسِ، فإذا جازَ أنْ يُقطعَ له من حقِّ الغُرماءِ بضاعةٌ فجَوازُه في الحَجِّ أوْلى.
والآخَرُ وهو الصَّحيحُ: يَلزمُه الحَجُّ؛ لأنَّه واجدٌ للزادِ والراحِلةِ، وهُما الرُّكنُ المُهمُّ في وُجوبِ الحَجِّ.
قال الشَّيخُ أبو حامِدٍ: ولو لم نَقلْ بالوُجوبِ للزِم أنْ نَقولَ: من لا يُمكِنُه أن يَتَّجرَ بأقَلَّ من ألفِ دينارٍ لا يَلزمُه الحَجُّ إذا ملَكها، وهذا لا يَقولُه أحَدٌ.
قال أصحابُنا: والفَرقُ بينَ المَسكَنِ والخادِمِ أنَّه مُحتاجٌ إليهما في الحال، وما نَحنُ فيه نَجِدُه ذَخيرةً، قال المَحامِليُّ والأصحابُ: وأما ما ذكَره الشافِعيُّ في بابِ التَّفليسِ فمُرادُه أنَّه يُترَكُ له ذلك برِضا الغُرماءِ، فأمَّا بغيرِ رِضاهم فلا يُتركُ.