للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتَّأويلُ الثاني: أنَّه أرادَ تَحريمَ القِتالِ في الأشهُرِ الحُرُمِ، عادَ تَحريمُه إلى ما كان عليه، بعدَ أن كان مُباحًا.

فإن قيلَ: إنَّما أخَّر رَسولُ اللهِ الحَجَّ إلى سَنةِ عَشرٍ؛ لِاشتِغالِه بالحَربِ، وخَوفِه على المُسلمينَ من المُشركينَ.

قيلَ: ما نُقل إلَينا من سِيرةِ رَسولِ اللهِ يَدفَعُ هذا التَّأويلَ، وذاكَ أنَّ رَسولَ اللهِ أُحصِر عامَ الحُدَيبيةِ في سَنةِ ستٍّ، فأحلَّ، ثم صالَحَ أهلَ مكةَ على أنْ يَقضيَ العُمرةَ سَنةَ سَبعٍ ويُقيمَ بمكةَ ثَلاثًا، فقَضاها سَنةَ تِسعٍ، ولهذا سُمِّيت عُمرةَ القَضيَّةِ، ثم فتَح مكةَ سَنةَ ثَمانٍ، فصارَت دارَ الإسلامِ، وأمَر عتَّابَ بنَ أُسَيدٍ فحَجَّ فيها بالناسِ، ثم بعَث أبا بَكرٍ سَنةَ تِسعٍ فحَجَّ بالناسِ، وتَخلَّف رَسولُ اللهِ غيرَ مَشغولٍ بحَربٍ ولا خائفٍ من عَدوٍّ، ثم أنفَذ عَليَّ بنَ أبي طالِبٍ بعدَ نُفوذِ أبي بَكرٍ، يَأمرُه بقِراءةِ سُورةِ ﴿بَرَاءَةٌ﴾؛ فإنْ كان مَعذورًا فلم أنفَذه؟ وإنْ كان غيرَ مَعذورٍ فلم أخَّره؟ ولو كان رَسولُ اللهِ مَمنوعًا من الحَجِّ لكانَ مَمنوعًا من العُمرةِ سَنةَ سَبعٍ، ولَو كان خائفًا على أصحابِه لَما أنفَذهم مع أبي بَكرٍ سَنةَ تِسعٍ؛ فسقَط ما قالوه.

فإنْ قيلَ: إنَّما تَأخَّر ليَتكاملَ المُسلمونَ فيُبيِّنَ الحَجَّ لجميعِهم، وهذا مَعنًى يَختصُّ به دونَ غيرِه.

قيلَ: هذا ظَنٌّ قد يَجوزُ أنْ يَكونَ تَأخَّر للأمرَينِ جميعًا؛ ليُبينَ جَوازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>