قيلَ: الدِّلالةُ على أنَّ فَريضةَ الحَجِّ نزلَت سَنةَ ستٍّ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ أحرَم فيها بالعُمرةِ، وهي عامَ الحُدَيبيةِ، فأُحصرَ، فأنزَل اللهُ تَعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ [البقرة: ١٩٦]. فإن قيلَ: فإنَّما أمَرهم اللهُ بإتمامِ الحَجِّ، ولم يَأمرْهم بأنْ يَبتَدِئوا حَجًّا. قيلَ: فقد يُرادُ بالإتمامِ البِناءُ تارةً والابتِداءُ تارةً، على أنَّهم في عامِ الحُدَيبيةِ كانوا قَدْ أحرَموا بعُمرةٍ، ولا يَجوزُ أنْ يُؤمرَ بإتمامِ العِبادةِ من لم يَدخلْ فيها؛ فعُلم أنَّه أرادَ إنشاءَها وابتِداءَها.
ورُوي أنَّ ضِمامَ بنَ ثَعلَبةَ وفَد على النَّبيِّ ﷺ سَنةَ خَمسٍ من الهِجرةِ، وسأَله عن أشياءَ، فكانَ مِما سأَله أنْ قال: أهو أمَرك أن تحُجَّ هذا البَيتَ؟ قال: نَعمْ، فدلَّ ما ذكَرناه على أنَّ فَريضةَ الحَجِّ نزلَت قبلَ سَنةِ عَشرٍ، ولا يُنكَرُ نُزولُ قولِه تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧] سَنةَ تِسعٍ أو عَشرٍ على وَجهِ تَأكيدِ الوُجوبِ.
فإن قيلَ: فَرضُ الحَجِّ إنَّما استقَر سَنةَ عَشرٍ بعدَ أن تَقدَّم وُجوبُه سَنةَ ستٍّ، بدَليلِ ما رُوي عن أنسٍ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قال في حَجةِ سَنةِ عَشرٍ: «إنَّ الزَّمانَ قَدْ استَدارَ كهَيئتِه يومَ خلَق اللهُ السَّمواتِ والأرضَ» (١).
قيلَ: في مُرادِه بهذا القولِ تَأويلانِ:
أحدُهما: أنَّه أرادَ حُصولَ الحَجِّ في ذي الحِجةِ؛ لأنَّهم رُبَّما كانوا قدَّموه إلى ذي القَعدةِ، ورُبَّما أخَّروه إلى المُحرَّمِ.
(١) رواه البخاري (٥٢٣٠)، ومسلم (١٦٧٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute