واحتَجَّ أصحابُنا أيضًا بأنَّه إذا أخَّره من سَنةٍ إلى سَنةٍ أو أكثرَ وفعَله يُسمَّى مُؤدِّيًا للحَجِّ لا قاضيًا بإجماعِ المُسلمينَ، هكذا نقَل الإجماعَ فيه القاضي أبو الطيِّبِ وغيرُه، ونقَل الاتِّفاقَ عليه أيضًا القاضي حُسينٌ وآخَرونَ، ولو حرُم التَّأخيرُ لكانَ قَضاءً لا أداءً.
فَإنْ قالوا: هذا يُنتقَضُ بالوُضوءِ، فإنَّه إذا أخَّره حتى خرَج وقتُ الصَّلاةِ ثم فعَله كان أداءً، مع أنَّه يَأثمُ بذلك، قُلنا: قَدْ منَع القاضي أبو الطيِّبِ كَونَه أداءً في هذه الحالةِ. وقال: بل هو قَضاءٌ لبقاءِ الصَّلاةِ؛ لأنَّه مَقصودٌ لها، لا لنَفسِه، وجَوابٌ آخَرُ، وهو أنَّ الوُضوءَ ليسَ له وقتٌ مَحدودٌ، فلا يُوصَفُ بالقَضاءِ، بخِلافِ الحَجِّ، وقَد تَقرَّر في الاصطِلاحِ أنَّ القَضاءَ: فِعلُ العِبادةِ في خارِجِ وقتِها المَحدودِ.
واحتَجَّ أصحابُنا أيضًا بأنَّه إذا تَمكَّن من الحَجِّ وأخَّره ثم فعَله لا تُردُّ شَهادتُه فيما بينَ تَأخيرِه وفِعلِه بالاتِّفاقِ، ولَو حرُم لَرُدَّت؛ لارتِكابِه المُسيءَ.
قال إمامُ الحَرمَين في «الأساليبِ»: أُسلوبُ الكَلامِ في المَسألةِ أنْ تَقولَ: العِبادةُ الواجبةُ ثَلاثةُ أقسامٍ:
أحدُها: ما يَجبُ لدَفعِ حاجةِ المَساكينِ العاجزينَ وهو الزَّكاةُ، فيَجبُ على الفَورِ؛ لأنَّه المَعنِيُّ من مَقصودِ الشَّرعِ بها.
والثاني: ما تَعلَّق بغيرِ مَصلحةِ المُكلَّفِ، وتَعلَّق بأوقاتٍ شَريفةٍ كالصَّلاةِ وصَومِ رَمضانَ، فيَتعيَّنُ فِعلُها في الأوقاتِ المَشروعةِ لها؛ لأنَّ المَقصودَ فِعلُها في تلك الأوقاتِ.