للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالثُ: عَبادةٌ تَستغرِقُ العُمرَ وتُبسَطُ عليه حَقيقةً وحُكمًا، وهي الإيمانُ، فيَجبُ التَّداركُ إليه؛ ليثبُتَ وُجوبُ استِغراقِ العُمرِ به.

والرابعُ: عِبادةٌ لا تَتعلَّقُ بوقتٍ ولا حاجةٍ، ولم تُشرَعْ مُستغرِقةً للعُمرِ، وكانَت مَرةً واحِدةً في العُمرِ، وهي الحَجُّ، فحَملُ أمرِ الشَّرعِ بها للامتِثالِ المُطلقِ، والمَطلوبُ تَحصيلُ الحَجِّ في الجُملةِ، ولهذا إذا فاتَت الصَّلاةُ كان قَضاؤُها على التَّراخي؛ لعَدمِ الوقتِ المُختصِّ، وهذا القياسُ في صَومِ رَمضانَ إذا فاتَ لا يَختصُّ قَضاؤُه بزَمانٍ، ولكِن تَثبتُ آثارٌ اقتَضَت غايَتَه بمُدةِ السَّنةِ، هذا كلُّه إذا قُلنا: إنَّه يَقتَضي الفَورَ، ولَنا طَريقٌ آخَرُ المَقصودُ منه الامتِثالُ المُجرَّدُ، ومن زعَم أنَّه يَقتَضي الفَورَ نقَلنا الكَلامَ معه إلى أُصولِ الفِقهِ، ويُمكِنُ أنْ يُقالَ: الحَجُّ عِبادةٌ لا تُنالُ إلا بشِقِّ الأنفُسِ، ولا يَتأتَّى الإقدامُ عليها بعَينِها؛ بل يَقتَضي التَّشاغُلَ بأسبابِها، والنَّظرَ في الرِّفاقِ والطُّرقِ، وهذا مع بُعدِ المَسافةِ يَقتَضي مُهلةً فَسيحةً لا يُمكِن ضَبطُها بوقتٍ، وهذا هو الحِكمةُ في إضافةِ الحَجِّ إلى العُمرِ، ويُمكِن أنْ يُجعلَ هذا قَرينةً في اقتِضاءِ الأمرِ بالحَجِّ للتَّراخي، فنَقولَ: الأمرُ بالحَجِّ إمَّا أنْ يَكونَ مُطلقًا، والأمرُ المُطلقُ لا يَقتَضي الفَورَ، وإمَّا أنْ يَكونَ معه ما يَقتَضي التَّراخيَ كما ذكَرناه، هذا كَلامُ إمامِ الحَرمَين.

وأمَّا الجَوابُ عن احتِجاجِ الحَنفيةِ بالآيةِ الكَريمةِ، وأنَّ الأمرَ يَقتَضي الفَورَ، فمن وجهَين:

أحدُهما: أكثرُ أصحابِنا قالوا: إنَّ الأمرَ المُطلقَ المُجرَّدَ عن القَرائنِ لا

<<  <  ج: ص:  >  >>