قال النَّوويُّ ﵀: وهذه الآيةُ دالَّةٌ على وُجوبِ الحَجِّ، ونزَل بعدَها قولُه تَعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾.
وقد أجمَع المُسلمونَ على أنَّ الحُدَيبيةَ كانَت سَنةَ ستٍّ من الهِجرةِ في ذي القَعدةِ، وثبَت بالأحاديثِ الصَّحيحةِ واتِّفاقِ العُلماءِ أنَّ النَّبيَّ ﷺ غَزا حُنَينًا بعدَ فتحِ مكةَ، وقسَّم غَنائمَها، واعتمَر من سَنتِه في ذي القَعدةِ، وكانَ إحرامُه بالعُمرةِ من الجِعِرانةِ، ولم يَكنْ بقِي بينَه وبينَ الحَجِّ إلا أيامٌ يَسيرةٌ، فلو كان على الفَورِ لم يَرجعْ من مكةَ حتى يحُجَّ، مع أنَّه هو وأصحابَه كانوا حينَئذٍ موسِرينَ؛ فقَد غَنِموا الغَنائمَ الكَثيرةَ، ولا عُذرَ لهم ولا قِتالَ ولا شُغلًا آخرَ، وإنَّما أخَّره ﷺ عن سَنةِ ثَمانٍ بَيانًا لِجوازِ التَّأخيرِ، وليَتكاملَ الإسلامُ والمُسلمونَ فيحُجَّ بهم حَجةَ الوداعِ، ويحضُرَها الخَلقُ فيُبلِّغوا عنه المَناسكَ، ولهذا قال في حَجةِ الوداعِ: ليُبلِّغِ الشاهِدُ مِنكم الغائبَ، ولْتأخُذوا عنِّي مَناسكَكم. ونزَل فيها قولُه تَعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.
قال: واحتَجَّ أصحابُنا أيضًا بالأحاديثِ الصَّحيحةِ المُستَفيضةِ: أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ: أمَر في حَجةِ الوَداعِ من لم يَكنْ معه هَديٌ أنْ يَفتتِحَ الإحرامَ بالحَجِّ، ويجعلَه عُمرةً، وهذا صَريحٌ في جوازِ تَأخيرِ الحَجِّ مع التَّمكُّنِ.