للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ (١)، فألحَقَ الوعيدَ بمن أخَّر الحَجَّ عن أولِ أوقاتِ الإمكانِ؛ لأنَّه قال: «مَنْ ملَك»: «كَذا»: «فَلَم يحُجَّ»، والفاءُ لِلتَّعقيبِ بلا فَصلٍ؛ أي: لم يحُجَّ عقبَ مِلكِ الزادِ والراحِلةِ بلا فَصلٍ.

قالوا: ولأنَّه أحدُ أركانِ الإسلامِ، فكانَ واجبًا على الفَورِ كالصِّيامِ؛ ولأنَّ وُجوبَه بصِفةِ التَّوسُّعِ يُخرجُه عن رُتبةِ الواجباتِ؛ لأنَّه يُؤخَّرُ إلى غيرِ غايةٍ، ولا يَأثمُ بالمَوتِ قبلَ فِعلِه، لكَونِه فعَل ما يَجوزُ له فِعلُه، وليسَ على المَوتِ أمارةٌ يَقدرُ بعدَها على فِعلِه (٢).

ولأنَّ إيجابَ الحَجِّ مُعلَّقٌ بشَرطٍ، والأصلُ فيما عُلق بالشُّروطِ لُزومُه عُقيبَ الشَّرطِ بلا فَصلٍ، كقولِه: «مَنْ دخَل الدارَ فأعطِه دِرهمًا»، ولأنَّها عِبادةٌ تَجبُ الكَفارةُ بإفسادِها، فوجبَت على الفَورِ كالصَّومِ.

القولُ الثاني: وهو أنَّ الحَجُّ يَجبُ على التَّراخي، والتَّأخيرُ إنَّما يَجوزُ بشَرطِ العَزمِ على الفِعلِ في المُستقبَلِ، فلَو خشَي العَجزَ أو خشَي هَلاكَ مالِه حرُم التَّأخيرُ، وهو مَذهبُ الشافِعيةِ والإمامِ أحمدَ في رَوايةٍ ومُحمدِ بنِ الحَسنِ وأبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ في رِوايةٍ عنهما، والإمامِ مالكٍ في الرِّوايةِ الأُخرى، وهو قولُ أكثرِ المالِكيين من أهلِ المَغربِ وبعضِ العِراقيِّينَ (٣).


(١) حَديثٌ ضَعيفٌ: رواه الترمذي (٨١٢).
(٢) «الشرح الكبير مع المغني» (٤/ ٣٢٠).
(٣) «بدائع الصنائع» (٣/ ٣٦، ٣٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٢/ ٥٢)، و «فتح القدير» (٢/ ٤١٢)، و «التمهيد» (١٦/ ١٦٣)، وما بعدَها، و «شرح ابن بطال» (٤/ ٤٣٦)، و «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٢/ ٢٠٠)، ورجح هو القول بالفورية، و «المدخل» (٤/ ٢١٤)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٤٧١، ٤٧٣)، و «شرح الزرقاني» (٢/ ٣٥٣)، و «الحاوي الكبير» (٤/ ٢٤)، و «فتح الباري» (٣/ ٥٩٩)، و «الشرح الكبير مع المغني» (٤/ ٣١٩)، و «الإنصاف» (٣/ ٤٠٤)، و «كشاف القناع» (٢/ ٣٨٩)، و «الإفصاح» (١/ ٤٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>