للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الاشتِغالِ بالصَّلاةِ، وتِلاوةِ القُرآنِ، وذِكرِ اللهِ تَعالى، والدُّعاءِ ونَحوِ ذلك من الطاعاتِ المَحضةِ.

ثم اختَلَفوا في إقرائِه القُرآنَ، أو الحَديثَ، أو الفِقهَ.

فقال مالِكٌ، وأحمدُ: لا يُستحَبُّ له ذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ كان يَعتكِفُ، فلم يُنقَلْ عنه الاشتِغالُ بغَيرِ العِباداتِ المُختصَّةِ به، ولأنَّ الاعتِكافَ عِبادةٌ من شَرطِها المَسجدُ، فلم يُستحَبَّ فيها ذلك كالطَّوافِ.

وعن مالِكٍ رِوايةٌ أُخرى ذكَرها الجَلَّابُ، فقال: وقال مالِكٌ: لا بأسَ أنْ يَكتُبَ المُعتكِفُ في المَسجدِ، وأنْ يَقرأَ فيه، ويُقرِئَ غَيرَه القُرآنَ.

وقال ابنُ وَهبٍ عن مالِكٍ وسُئِل عن المُعتكِفِ يَجلِسُ في مَجلِسِ العُلماءِ ويَكتُبُ العِلمَ؟ فقال: لا يَفعَلُ ذلك إلا أنْ يَكونَ الشَّيءَ الخَفيفَ، والتَّركُ أحَبُّ إليَّ.

وقال أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ: يُستحَبُّ له ذلك؛ لأنَّ الاشتِغالَ بالعِلمِ تَعلُّمِه وتَعليمِه، فَرضُ كِفايةٍ، فهو أفضَلُ من صَلاةِ النافِلةِ، ولأنَّه مُصحِّحٌ لِلصَّلاةِ وغَيرِها من العِباداتِ، ولأنَّ نَفعَه مُتعَدٍّ إلى الناسِ، وقد تَظاهَرت الأحاديثُ بتَفضيلِ الاشتِغالِ بالعِلمِ على الاشتِغالِ بصَلاةِ النافِلةِ.

ورَوى المَروزيُّ عن أحمدَ في الرَّجلِ يُقرِئُ في المَسجدِ ويُريدُ أنْ يَعتكِفَ، فقال: يُقرِئُ أحَبُّ إلَيَّ.

قال القاضي أبو يَعلى بنُ الفَرَّاءِ: وهذا على أصلِه، من أنَّه لا يُستحَبُّ لِلمُعتكِفِ أنْ يَنتصِبَ لِلإقراءِ، ولا لِدَرسِ العِلمِ، فيَنقطِعُ بالاعتِكافِ عن

<<  <  ج: ص:  >  >>