للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= بموسَى»، فصامَه وأمَرَ بصيامِه، تَقريرًا لِتَعظيمِه وتأكيدًا، وأخبَرَ أنَّه وأمَّتَه أحَقُّ بموسى مِنْ اليَهودِ، فإذا صامَه موسى شُكرًا لِلَّهِ كُنَّا أحَقَّ أنْ نَقتَديَ به مِنَ اليَهودِ، لا سيَّما إذا قُلنا: شَرعُ مَنْ قَبلَنا شَرعٌ لَنا ما لَم يُخالِفْه شَرعُنا. فإنْ قيلَ: مِنْ أينَ لَكم أنَّ موسى صامَه؟ قُلنا: ثَبَت في «الصَّحيحَيْن» أنَّ رَسولَ اللَّهِ لَمَّا سألَهم عنه قالوا: يَومٌ عَظيمٌ نَجَّى اللَّهُ فيه موسى وقَومَه وأغرَقَ فيه فِرعَونَ وقَومَه. فصامَه موسى شُكرًا لِلَّه، فنَحنُ نَصومُه، فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «فَنَحنُ أحَقُّ وأولَى بمُوسى مِنكم»، فصامَه وأمرَ بصيامِه، فلَمَّا أقَرَّهم على ذلك ولم يُكذِّبْهم عُلِم أنَّ موسى صامَه شُكرًا لِلَّهِ، فانضَمَّ هذا القَدرُ إلى التَّعظيمِ الذي كان له قَبلَ الهِجرةِ فازدادَ تأكيدًا حتى بُعِث رَسولُ اللَّهِ مُناديًا يُنادي في الأمصارِ بصَومِه وإمساكِ مَنْ كانَ أكَل، والظاهِرُ أنَّه حتَّم ذلك عليهم وأوجَبَه كما سيأتي تَقريرُه.
وأمَّا الإشكالُ الثالِثُ: وهو أنَّ رَسولَ اللَّهِ كانَ يَصومُ يَومَ عاشوراءَ قَبلَ أنْ يَنزِلَ فَرضُ رَمَضانَ فلَمَّا نَزَل فَرضُ رَمَضانَ تَرَكه، ثم ذَكَره.
وأمَّا الإشكالُ الرابِعُ: -وهو أنَّ رَسولَ اللَّهِ قالَ: «لَئِنْ بَقيتُ إلى قابِلٍ لَأصومَنَّ التاسِعَ»، وأنَّه تُوُفِّي قَبلَ العامِ، وقَولُ ابنِ عَباسٍ: «إنَّ رَسولَ اللَّهِ كانَ يَصومُ التاسِعَ» فابنُ عَباسٍ رَوَى هذا، وهذا، وصَحَّ عنه هذا وهذا، ولا تَنافيَ بَينَهما، إذْ مِنْ المُمكِنِ أنْ يَصومَ التاسِعَ ويُخبِرَ أنَّه إنْ بَقيَ إلى العامِ المُقبِلِ صامَه، أو يَكونَ ابنُ عَباسٍ أخبَرَ عن فِعلِه مُستَنِدًا إلى ما عَزَم عليه، ووعَد به، ويَصحُّ الإخبارُ عن ذلك مُقيَّدًا، أي: كذلك كانَ يَفعَلُ لَو بَقيَ ومُطلَقًا إذا عَلِم الحالَ، وعلى كُلِّ واحِدٍ مِنْ الِاحتِمالَيْن لا تَنافيَ بَينَ الخَبَرَيْن. وأمَّا الإشكالُ الخامِسُ فقد تَقدَّم جَوابُه بما فيه كِفايةٌ.
وأمَّا الإشكالُ السادِسُ: -وهو قَولُ ابنِ عَباسٍ: اعدُدْ وأصبِحْ يَومَ التاسِعِ صائِمًا فمَن تأمَّلَ مَجموعَ رِواياتِ ابنِ عَباسٍ تَبيَّنَ له زَوالُ الإشكالِ وسَعةُ عِلمِ ابنِ عَباسٍ، فإنَّه لم يَجعَلْ عاشوراءَ هو اليَومَ التاسِعَ، بل قال لِلسائِلِ: صُمِ اليَومَ التاسِعَ، واكتَفى بمَعرِفةِ السائِلِ أنَّ يَومَ عاشوراءَ هو اليَومُ العاشِرُ الَّذي يَعُدُّه الناسُ كُلُّهم يَومَ عاشوراءَ، فأرشَدَ =

<<  <  ج: ص:  >  >>