والثالِثُ: أنَّ الأمرَيْن سَواءٌ، يَفعَلُ الفاعِلُ أيَّهما شاءَ؛ وهذا الاختِلافُ إنَّما يُتصوَّرُ على القَولِ بأنَّ قَضاءَ رَمضانَ على التَّراخي، بدَليلِ قَولِ عائِشةَ ﵂«إنْ كان لَيَكونُ عليَّ الصِّيامُ من رَمضانَ، فما أستطيعُ أنْ أصومَه حتى يأتيَ شَعبانُ، لِلشُّغلِ برَسولِ اللهِ ﷺ»؛ إذْ لو كان القَضاءُ على الفَورِ، لَما منَعها من ذلك الشُّغلُ، والواجِبُ على التَّراخي تَعجيلُه أفضَلُ؛ فلَمَّا كان إنْ صام يَومَ عاشوراءَ تَطوُّعًا، وأخَّر القَضاءَ، أحرَزَ فَضلَ اليَومِ، وفاتَه تَعجيلُ القَضاءِ؛ وإنْ صامَه لِلقَضاءِ، أحرَز تَعجيلَ القَضاءِ، وفاته فَضلُ صَومِ النَّهارِ؛ وقَع الاختِلافُ.
فوَجهُ القَولِ بأنَّ صَومَه تَطوُّعًا أحسَنُ، هو أنَّ فَضيلةَ صَومِه قد ورَدت الآثارُ عن النَّبيِّ ﵊ بالنَّصِّ عليها، وقَدرِها، وفَضيلةُ تَأجيلِ القَضاءِ إنَّما عُلِمت بالنَّظرِ والقياسِ، فذلك فيها مَعدومٌ؛ وأيضًا فقد رُوي أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ صلَّى رَكعتَيِ الفَجرِ بعدَ طُلوعِ الشَّمسِ قبلَ صَلاةِ الصُّبحِ، وقَضاءُ الصَّلاةِ يَكونُ على الفَورِ، فكيف بقَضاءِ الصِّيامِ الذي هو على التَّراخي؟ ووَجهُ القَولِ بأنَّ صيامَه لِلقَضاءِ أحسَنُ، هو أنَّه إنْ صامَه تَطوُّعًا لم يأمَنْ أنْ تَخترِمَه المَنيَّةُ قبلَ القَضاءِ؛ فلا يُقبَلَ منه التَّطوُّعُ على ظاهِرِ ما جاء عن أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ﵁ «مِنْ أنَّه لا يُقبَلُ من أحَدٍ نافِلةٌ