قال أصحابُنا: ثم المَرضُ المُجوِّزُ لِلفِطرِ إنْ كان مُطيقًا فله تَركُ النيَّةِ باللَّيلِ، وإنْ كان يُحَمُّ ويَنقَطِعُ، ووَقتُ الحُمَّى لا يَقدِرُ على الصَّومِ، وإذا لم تَكُنْ حُمَّى يَقدِرُ عليها؛ فإنَّ كان مَحمومًا وَقتَ الشُّروعِ في الصَّومِ فله تَركُ النيَّةِ، وإلا فعليه أنْ يَنويَ من اللَّيلِ، ثم إنْ عاد المَرَضُ واحتاجَ إلى الفِطرِ أفطَر، واللهُ ﷾ أعلَمُ (١).
وقال ابنُ قُدامةَ ﵀: المَرضُ المُبيحُ لِلفِطرِ هو الشَّديدُ الذي يَزيدُ بالصَّومِ أو يُخشَى تَباطُؤُ بُرئِه، قيلَ لِأحمدَ: متى يُفطِرُ المَريضُ؟ قال: إذا لم يَستطِعْ. قيل: مِثلَ الحُمَّى؟ قال: وأيُّ مَرضٍ أشَدُّ من الحُمَّى.
وحُكي عن بَعضِ السَّلفِ أنَّه أباحَ الفِطرَ بكلِّ مَرضٍ حتى من وَجعِ الإصبَعِ والضِّرسِ لِعُمومِ الآيةِ فيه، ولأنَّ المُسافِرَ يُباحُ له الفِطرُ وإنْ لم يَحتَجْ إليه، فكذلك المَريضُ.
ولنا: أنَّه شاهِدٌ لِلشَّهرِ لا يُؤذيه الصَّومُ فلَزمه كالصَّحيحِ، والآيةُ مَخصوصةٌ بالمُسافِرِ والمَريضِ جَميعًا بدَليلِ أنَّ المُسافِرَ لا يُباحُ له الفِطرُ في السَّفرِ القَصيرِ والفَرقُ بينَ المُسافِرِ والمَريضِ أنَّ السَّفرَ اعتُبِرت فيه المَظِنَّةُ وهو السَّفرُ الطَّويلُ حيثُ لم يُمكِنِ اعتبارُ الحِكمةِ بنَفسِها.
فإنَّ قَليلَ المَشقَّةِ لا يُبيحُ وكَثيرَها لا ضابِطَ له في نَفسِه، فاعتُبِرت بمَظِنَّتِها وهو السَّفرُ الطَّويلُ، فدارَ الحُكمُ مع المَظِنَّةِ وُجودًا وعَدمًا والمَرضُ لا ضابِطَ له؛ فإنَّ الأمراضَ تَختلِفُ، منها ما يَضُرُّ صاحِبَه الصَّومُ،
(١) «المجموع» (٧/ ٤٢٣)، و «حاشية قليوبي» (٢/ ٨١)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٣٦٩).