للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: الاعتبارُ باتِّحادِ الإقليمِ واختِلافِه، فإنِ اتَّحَد فمُتقارِبان وإلا فمُتباعِدان، وبهذا قال الصَّيمَريُّ وآخَرون.

والثالِثُ: أنَّ التَّباعُدَ يَكونُ مَسافةَ القَصرِ، والتَّقارُبَ دُونَها، وبهذا قال الفَورانيُّ وإمامُ الحَرَمَيْن والغَزاليُّ والبَغَويُّ وآخَرون من الخُراسانيِّين، وادَّعى إمامُ الحَرَمَيْن الاتِّفاقَ عليه؛ لأنَّ اعتبارَ المَطالِعِ يُحوِجُ إلى حِسابٍ وتَحكيمِ المُنجِّمين، وقَواعِدُ الشَّرعِ تأبى ذلك، فوجَب اعتبارُ مَسافةِ القَصرِ التي علَّق الشَّرعُ بها كَثيرًا من الأحكامِ، وهذا ضَعيفٌ؛ لأنَّ أمرَ الهِلالِ لا تَعلُّق له بمَسافةِ القَصرِ، فالصَّحيحُ اعتبارُ المَطالِعِ كما سبَق.

فعلى هذا لو شَكَّ في اتِّفاقِ المَطالِعِ لم يَلزَمِ الصَّومُ الذين لم يَرَوُا؛ لأنَّ الأصلَ عَدمُ الوُجوبِ، ولأنَّ الصَّومَ إنَّما يَجِبُ بالرُّؤيةِ لِلحَديثِ، ولم تَثبُتِ الرُّؤيةُ في حَقِّ هؤلاء، لِعَدمِ ثُبوتِ قُربِهم من بَلدِ الرُّؤيةِ، هذا الذي ذَكرتُه هو المَشهورُ لِلأصحابِ في الطَّريقَتَيْن.

وانفرَد الماوَرديُّ والسَّرخَسيُّ بطريقَتَيْن أُخرَيَيْن، فقال الماوَرديُّ:

إذا رأوه في بَلدٍ دون بَلدٍ فثَلاثةُ أوجُهٍ: أحَدُها: يَلزَمُ الذين لم يَرَوْا؛ لأنَّ فَرضَ رَمَضانَ لا يَختلِفُ باختِلافِ البِلادِ، وقد ثبَت رَمَضانُ.

والثاني: لا يَلزَمُهم؛ لأنَّ الطَّوالِعَ والغَوارِبَ قد تَختلِفُ لِاختِلافِ البُلدانِ، وإنَّما خُوطِبَ كلُّ قَومٍ بمَطلَعِهم ومَغرِبِهم، ألَا تَرى الفَجرَ قد يَتقدَّمُ طُلوعُه في بَلدٍ ويَتأخَّرُ في بَلدٍ آخَرَ، وكذلك الشَّمسُ قد يَتعجَّلُ غُروبُها في بَلدٍ ويَتأخَّرُ في آخَرَ، ثم كلُّ بَلدٍ يُعتبَرُ طُلوعُ فَجرِه وغُروبُ شَمسِه في حَقِّ أهلِه فكذلك الهِلالُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>