للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأُخرى: لم يَأمرْهم ولم يَكنْ ذلك عُرفَه معهم فهذا يُختلَفُ فيه على الخِلافِ فيمَن كفَّرَ عن غيرِه من غيرِ عِلمِه وإذنِه وأنَّ يُجزِئُه أحسَنُ (١).

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : قالَ أَصحابُنا: لو أخرَجَ إِنسانٌ الفِطرةَ عن أجنَبيٍّ بغيرِ إذنِه لا يُجزِئُه بلا خِلافٍ؛ لأنَّها عِبادةٌ فلا تَسقطُ عن المُكلَّفِ بها بغيرِ إذنِه، وإنْ أذِنَ فأخرَجَ عنه أجزَأَه، كما لو قالَ لغيرِه: اقضِ دَيْني، وكما لو وكَّلَه في دَفعِ زَكاةِ مالِه وفي ذَبحِ أُضحيَّتِه، ولو كانَ للإِنسانِ وَلدٌ صَغيرٌ مُوسِرٌ فحيثُ لا يَلزمُه فِطرَتُه فأخرَجَ الأبُ فِطرةَ الوَلدِ من مالِ نَفسِه جازَ بلا خِلافٍ، صرَّحَ به القاضِي أبو الطَّيبِ والبَندَنيجيُّ والبَغويُّ والأَصحابُ؛ لأنَّه يَستقِلُّ بتَمليكِ ابنِه الصَّغيرِ.

ولو كانَ كَبيرًا رَشيدًا لم يَجزْ إلا بإذنِه؛ لأنَّه لا يَستقِلُّ بتَمليكِه، والجَدُّ كالأبِ، والمَجنونُ كالصَّبيِّ، قالَ البَغويُّ: لو أخرَجَ الوَليُّ فِطرةَ الصَّبيِّ والمَجنونِ من مالِ نَفسِه تَبرعًا، فإنْ كانَ أبًا أو جَدًّا جازَ، وكأنَّه ملَّكَه ذلك ثم تَولَّى الأداءَ عنه مما ملَّكَه. وإنْ كانَ وَصيًّا أو قَيمًا لم يَجزْ إلا بإذنِ القاضِي، فإذا أذِنَ جازَ ويَصيرُ كأنَّه بالإذنِ كأنَّ الصَّبيَّ تَملَّك منه وأذِنَ له في الإِخراجِ، وكلُّ هذا مُتفَقٌ عليه عندَ أَصحابِنا ونقَلَه عن الأَصحابِ (٢).

وقالَ المَرداويُّ : لو أخرَجَ عمَّن لا تَلزمُه فِطرتُه بإذنِه أجزَأَ، وإلا فلا، قالَ أبو بَكرٍ الآجُريُّ: هذا قَولُ فُقهاءِ المُسلِمينَ (٣).


(١) «مواهب الجليل» (٢/ ٣٧٤).
(٢) «المجموع» (٦/ ١١٥).
(٣) «الإنصاف» (٣/ ١٧٥)، وانظر: «الفروع» (٢/ ٤٠٢)، و «المبدع» (٢/ ٣٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>