أوَّلُها: أنَّ الكَذِبَ والتَّوليدَ والوَضعَ فيه ظاهِرٌ كالشَّمسِ؛ لأنَّه لا خِلافَ بينَ أحَدٍ من أهلِ العِلمِ بالأخبارِ أنَّ يَومَ الجَملِ كان لِعَشرٍ خَلَوْنَ من جُمادى الآخِرةِ عامَ سِتَّةٍ وثَلاثينَ، ثم أقامَ علِيٌّ بالبَصرةِ باقيَ جُمادى الآخِرةِ وخرَج راجِعًا إلى الكُوفةِ في صَدرِ رَجَبٍ، وترَك ابنَ عباسٍ بالبَصرةِ أميرًا عليها ولم يَرجِعْ عليٌّ بعدَها إلى البَصرةِ، هذا ما لا خِلافَ فيه من أحَدٍ له عليمٍ بالأخبارِ. وفي الخَبرِ المَذكورِ ذِكرُ تَعليمِ ابنِ عباسٍ أهلَ البَصرةِ صَدقةَ الفِطرِ ثم قَدِم علِيٌّ بعدَ ذلك، وهذا هو الكَذِبُ البَحتُ الذي لا خَفاءَ فيه. ووَجهٌ ثانٍ: أنَّ الحَسَنَ لم يَسمَعْ من ابنِ عباسٍ أيامَ وِلايَتِه البَصرةَ شَيئًا ولا كان الحَسَنُ يَومئِذٍ بالبَصرةِ، وإنَّما كان بالمَدينةِ، هذا ما لا خِلافَ فيه بينَ أحَدٍ من نَقَلةِ الحَديثِ. وأيضًا وَجهٌ ثالِثٌ: فإنَّه حَديثٌ مُفتعَلٌ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ البَصرةَ فتَحَها وبَناها عامَ أربعةَ عَشَرَ من الهِجرةِ عُتبةُ بنُ غَزوانَ المازِنيُّ بَدريٌّ مَدنيٌّ وولِيَها بعدَه المُغيرةُ بنُ شُعبةَ وأبو موسى وعَبدُ اللهِ بنُ عامِرٍ، وكلُّهم مَدنيُّون ونزَلها من الصَّحابةِ المَدنيِّين أزيَدُ من ثَلاثِمِئةِ رَجلٍ منهم عِمرانُ بنُ الحُصَينِ وأنَسُ بنُ مالِكٍ وهِشامُ بنُ عامِرٍ والحَكَمُ بنُ عَمرٍو وغَيرُهم، وفُتِحت أيامَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وتداوَلها وُلاتُه إلى أنْ وَلِيَها ابنُ عباسٍ بعدَ صَدرٍ كَبيرٍ من عامِ سِتةٍ وثَلاثين من الهِجرةِ فلم يَكُنْ في هؤلاء كلِّهم مَنْ يُخبِرُهم بزَكاةِ الفِطرِ، بل ضَيَّعوا ذلك وأهمَلوه واستخَفُّوا به، أو جَهِلوه مُدةَّ أزيَدَ من اثنَيْن وعِشرين عامًا مُدَّةَ خِلافةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وعُثمانَ رِضوانُ اللهِ عليهما حتى وَليَها ابنُ عباسٍ بعدَ يَومِ الجَملِ. أتَرى عُمَرَ وعُثمانَ ضَيَّعا إعلامَ رَعيَّتِهما هذه الفَريضةَ؟ أتَرى أهلَ البَصرةِ لم يَحُجُّوا أيامَ عُمَرَ وعُثمانَ ولا دَخَلوا المَدينةَ فغابَتْ عنهم زَكاةُ الفِطرِ إلى بَعدِ يَومِ الجَملِ، إنَّ هذا هو الضَّلالُ المُبينُ والكَذِبُ المُفتَرى، ونِسبةُ البَلاءِ إلى الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ عليهم أنَّ هذا الخَبَرَ ما يَدخُلُ تَصحيحُه في عَقلٍ سَليمٍ، وما حدَّث الحَسَنُ -واللهُ أعلَمُ- بهذا الحَديثِ إلا على وَجهِ التَّكذيبِ له لا يَجوزُ غَيرُ ذلك.