وقالَ قبلَ ذلك: قالَ أَصحابُنا: لا يَجوزُ للإِنسانِ أنْ يَدفعَ إلى وَلدِه ولا والِدِه الذي يَلزمُه نَفقتُه من سَهمِ الفُقراءِ والمَساكينِ لعِلتَينِ: إحداهُما: أنَّه غَنيٌّ بنَفقتِه. والثانيةُ: أنَّه بالدَّفعِ إليه يُجابُ إلى نَفسِه نَفعًا، وهو مَنعُ وُجوبِ النَّفقةِ عليه.
قالَ أَصحابُنا: ويَجوزُ أنْ يَدفعَ إلى وَلدِه ووالدِه من سَهمِ العامِلين والمُكاتَبينَ والغارِمينَ والغُزاةِ إذا كانَ الوَلدُ والوالِدُ بهذه الصِّفةِ، ولا يَجوزُ أنْ يَدفعَ إليه من سَهمِ المُؤلَّفةِ إنْ كانَ ممَّن يَلزمُه نَفقتُه؛ لأنَّ نَفعَه يَعودُ إليه، وهو إِسقاطُ النَّفقةِ، فإنْ كانَ ممَّن لا يَلزمُه نَفقَتُه جازَ دَفعُه إليه.
وأمَّا سَهمُ ابنِ السَّبيلِ فالمَذهبُ أنَّه إذا كانَ من أَبناءِ السَّبيلِ أَعطاه من النَّفقةِ ما يَزيدُ على نَفقةِ الحَضرِ ويُعطيه المَركوبَ والحُمولةَ؛ لأنَّ هذا لا يَلزمُ المُنفِقَ ولا يُعطيه قَدرَ نَفقةِ الحَضرِ؛ لأنَّها لَازِمةٌ، وبهذا قطَعَ كَثيرونَ من الأَصحابِ أو أكثَرُهم، والثاني: وبه قطَعَ المَحامِليُّ، لا يُعطيه شَيئًا من النَّفقةِ، بل يُعطيه الحُمولةَ؛ لأنَّ نَفقتَه واجِبةٌ عليه في الحَضرِ والسَّفرِ، والحُمولةُ ليسَت بواجِبةٍ في السَّفرِ.
قالَ أَصحابُنا المُتقدِّمونَ: له أنْ يُعطيَ وَلدَه ووالِدَه من سَهمِ العامِلِ إذا كانَ عامِلًا كما قدَّمْناه. قالَ القاضِي أبو الفُتوحِ من أَصحابِنا: هذا لا يَصحُّ؛ لأنَّه لا يُتصوَّرُ أنْ يُعطَى العامِلُ شَيئًا من زَكاتِه، قالَ صاحِبُ الشامِلِ: أرادَ الأَصحابُ إذا كانَ الدافِعُ هو الإمامَ فله أنْ يُعطيَ وَلدَ رَبِّ المالِ ووالِدَه من سَهمِ العامِلِ إذا كانَ عامِلًا من زَكاةِ والِدِه ووَلدِه، هذا كلُّه إذا كانَ الذي يُعطيه هو الذي يَلزمُه نَفقتُه، فلو أَعطاه غيرُه فقد أطلَقَ الخُراسانيُّونَ