للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ بعضُهم: يُنظَرُ في تلك المَعصيةِ، فإنْ كان يُريدُ قَتلَ نَفسٍ أو هَتكَ حُرمةٍ لم يُعطَ إلا إنْ تابَ، وإنْ خِيفَ عليه المَوتُ.

أمَّا إذا كانَ مُسافِرًا للنُّزهةِ والفُرجةِ ففيه طَريقانِ مَشهورانِ عندَ الشافِعيةِ، المَذهبُ عندَهم أنَّه كالمُباحِ، فيَكونُ على الوَجهَينِ، أصَحُّهما يُدفَعُ إليه.

والطَّريقُ الثاني: لا يُعطَى قَطعًا؛ لأنَّه نَوعٌ من الفُضولِ.

وإذا أَنشأَ سَفرَ مَعصيةٍ ثم قطَعَه في أَثناءِ الطَّريقِ وقصَدَ الرُّجوعَ إلى وَطنِه أُعطيَ حينَئذٍ من الزَّكاةِ؛ لأنَّه الآنَ ليسَ سَفرَ مَعصيةٍ (١).

أمَّا الحَنابِلةُ فعِندَهم وَجهانِ: أحَدُهما: يُدفعُ إليه؛ لأنَّه غيرُ مَعصيةٍ.

والثاني: لا يُدفعُ إليه؛ لأنَّه لا حاجةَ به إلى هذا السَّفرِ.

قالَ ابنُ قُدامةَ : ويُقوِّي عندِي أنَّه لا يَجوزُ الدَّفعُ للسَّفرِ إلى غيرِ بَلدِه أنَّه لو جازَ ذلك لَجاز للمُنشئِ للسَّفرِ من بَلدِه؛ ولأنَّ هذا السَّفرَ إنْ كانَ لِجهادٍ فهو يَأخذُ له من سَهمِ سَبيلِ اللهِ ، وإنْ كانَ حَجًّا فغيرُه أهَمُّ منه، وإذا لم يَجزِ الدَّفعُ في هَذينِ ففي غَيرِهما أَوْلى، وإنَّما ورَدَ الشَّرعُ بالدَّفعِ إليه للرُّجوعِ إلى بَلدِه؛ لأنَّه أمرٌ تَدعو حاجَتُه إليه، ولا غِنى به عنه؛ فلا يَجوزُ إِلحاقُ غيرِه به؛ لأنَّه ليسَ في مَعناه، فلا يَجوزُ قياسُه عليه ولا نَصَّ فيه، فلا يَثبُتُ جَوازُه لعَدمِ النَّصِّ والقياسِ (٢).


(١) «المجموع» (٧/ ٣٥٤).
(٢) «المغني» (٦/ ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>