للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَيشِ ليَذبُّوا عن المُسلِمينَ فله أنْ يَحكُمَ على الناسِ بقَدرِ ما يَحتاجُ إليه لِذلك؛ لأنَّه مَأمورٌ بالنَّظرِ للمُسلِمينَ.

وإنْ لم يُجهِّزِ الجَيشَ للدَّفعِ ظهَرَ المُشرِكونَ على المُسلِمينَ فيأخُذونَ المالَ والذَّراريَّ والنُّفوسَ فمِن حُسنِ التَّدبيرِ أنْ يَتحكَّمَ على أَربابِ الأَموالِ بقَدرِ ما يَحتاجُ إليه لتَجهيزِ الجَيشِ ليَأمَنوا فيما سِوى ذلك، وهو المُرادُ بما ذُكرَ بعدَه عن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّ مُعاويةَ ضرَبَ بَعثًا على أهلِ الكُوفةِ فرفَعَ عن جَريرٍ وعن وَلدِه، وقالَ جَريرٌ : لا نَقبَلُ ذلك، ولكنْ نَجعَلُ أَموالَنا لِلغازي.

ومَعنى ضَربِ البَعثِ التَّحكُّمُ عليهم في أَموالِهم بقَدرِ الحاجةِ لتَجهيزِ الجَيشِ، فكأنَّه مَنَّ على جَريرٍ ووَلدِه بأنْ رفَعَ ذلك عنهم، فقد كانَ مُوقَّرًا فيهم، وكانَ رَسولُ اللهِ يُوقِّرُه، حتى قالَ جَريرٌ ما نظَرَ إلَيَّ إلا تَبسَّمَ ولو في صَلاتِه، لكنْ لم يَقبَلْ جَريرٌ هذه المِنةَ منه لعِلمِه أنَّ في الجِهادِ بالمالِ مَعنى الثَّوابِ واستِحقاقَ المُؤمِنِ التَّوقيرَ بكَونِه مُستبِقًا إلى الخَيراتِ والطَّاعاتِ، ولكنْ قالَ: لا أُعطي المالَ إليكَ، بل أدفَعُ بنَفسي إلى مَنْ أَختارُه من الغُزاةِ ليتَبيَّن به أنَّه غيرُ مُجبَرٍ على ما يُعطِي (١).

وقالَ الإمامُ القُرطبيُّ : اتَّفقَ العُلماءُ على أنَّه إذا نزَلَت بالمُسلِمينَ حاجةٌ بعدَ أداءِ الزَّكاةِ فإنَّه يَجبُ صَرفُ المالِ إليها، وقالَ مالِكٌ: يَجبُ على الناسِ فِداءُ أَسراهم وإنِ استَغرقَ ذلك أَموالَهم، وهذا إِجماعٌ أيضًا (٢).


(١) «المبسوط» (١٠/ ٢٠، ٢١).
(٢) «تفسير القرطبي» (٢/ ٢٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>