قالَ أَصحابُنا: فإنْ كانَ عادَتُه الاحتِرافَ أُعطيَ ما يَشتَري به حِرفتَه أو آلاتِ حِرفتِه، قلَّت قيمةُ ذلك أو كثُرَت، ويَكونُ قَدرُه بحيثُ يَحصلُ له من رِبحِه ما يَفي بكِفايَتِه غالبًا تَقريبًا. ويَختلِفُ ذلك باختِلافِ الحِرفِ والبِلادِ والأَزمانِ والأَشخاصِ. وقرَّبَ جَماعةٌ من أَصحابِنا ذلك فقالوا: مَنْ يَبيعُ البَقلَ يُعطَى خَمسةَ دَراهمَ أو عَشرةً، ومَن حِرفتُه بَيعُ الجَوهرِ يُعطَى عَشرةَ آلافِ دِرهَمٍ مَثلًا إذا لم يَتأتَّ له الكِفايةُ بأقَلَّ منها.
ومَن كانَ تاجِرًا أو خبَّازًا أو عطَّارًا أو صرَّافًا أُعطيَ بنِسبةِ ذلك، ومَن كانَ خيَّاطًا أو نجَّارًا أو قصَّارًا أو قصَّابًا أو غيرَهم من أهلِ الصَّنائِعِ أُعطيَ ما يَشتَري به الآلاتِ التي تَصلحُ لمثلِه.
وإنْ كانَ مِنْ أهلِ الضِّياعِ (المَزارعِ) يُعطَى ما يَشتَري به ضَيعةً أو حِصةً في ضَيعةٍ تَكفيه غَلتُها على الدَّوامِ.
قالَ أَصحابُنا: فإنْ لم يَكنْ مُحتَرفًا ولا يُحسِنُ صَنعةً أصلًا ولا تِجارةً ولا شَيئًا من أَنواعِ المَكاسبِ أُعطيَ كِفايةَ العُمرِ الغالِبِ لِأمثالِه في بِلادِه ولا يُقدَّرُ بكِفايةِ سَنةٍ.
ثم قالَ: هذا الذي ذكَرْناه من إِعطائِه كِفايةَ عُمرِه هو المَذهبُ الصَّحيحُ الذي قطَعَ به العِراقيُّونَ وكَثيرونَ من الخُراسانيِّينَ ونَصَّ عليه الشافِعيُّ (١).
ووضَّحَ ذلك شَمسُ الدِّينِ الرَّمليُّ في «شَرح المِنهاجِ للنَّوويِّ».
فذكَرَ أنَّ الفَقيرَ والمِسكينَ إنْ لم يُحسِنْ كلٌّ منهما كَسبًا بحِرفةٍ ولا تِجارةٍ يُعطَى كِفايةَ ما بقِيَ من العُمرِ الغالِبِ لِأمثالِه في بَلدِه؛ لأنَّ القَصدَ