قالَ الإمامُ النَّوويُّ ﵀: المَسألةُ الثانيةُ: في قَدرِ المَصروفِ إلى الفَقيرِ والمِسكينِ، قالَ أَصحابُنا العِراقيُّونَ وكَثيرونَ من الخُراسانيِّينَ: يُعطَيانِ ما يُخرجُهما من الحاجةِ إلى الغِنى، وهو ما تَحصلُ به الكِفايةُ على الدَّوامِ. وهذا هو نَصُّ الشافِعيِّ ﵀، واستدَلَّ له الأَصحابُ بحَديثِ قَبيصةَ بنِ المُخارِقِ الصَّحابيِّ ﵁ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ:«يا قَبيصةُ إِنَّ المَسأَلةَ لَا تَحلُّ إلا لأَحدِ ثَلاثةٍ: رَجلٌ تَحمَّلَ حَمالَةً فحلَّتْ له المَسأَلةُ حتى يُصيبَها ثُم يُمسِكُ، ورَجلٌ أَصابَته جائحَةٌ اجْتاحَتْ مالَه فحلَّتْ له المَسأَلةُ حتى يُصيبَ قِوامًا من عَيشٍ، أو قالَ: سِدادًا من عَيشٍ، ورَجلٌ أصابَتْه فاقَةٌ حتى يَقومَ ثَلاثةٌ من ذوي الحِجا من قَومِه: لقد أَصابَتْ فُلانًا فاقَةٌ فحلَّتْ له المَسأَلةُ حتى يُصيبَ قِوامًا من عَيشٍ، أو قالَ: سِدادًا من عَيشٍ، فما سِواهُنَّ من المَسأَلةِ يا قَبيصةُ سُحتًا يَأكلُها صاحِبُها سُحتًا»(رواه مسلمٌ في صحيحِه)(١) والقِوامُ والسِّدادُ بكَسرِ أوَّلِهما، وهما بمَعنًى.
قالَ أَصحابُنا: فأَجازَ رَسولُ اللهِ ﷺ المَسألةَ حتى يُصيبَ ما يَسُدُّ حاجَتَه فدَلَّ على ما ذكَرْناه. قالوا: وذكَرَ الثَّلاثةَ في الشَّهادةِ للاستِظهارِ لا لِلاشتِراطِ.
(١) مسلم (١٠٤٤)، وقالَ الإمامُ الخَطابيُّ في شَرحِ هذا الحَديثِ: فيه أنَّ الحَدَّ الذي يَنتهي إليه العَطاءُ في الصَّدقةِ هو الكِفايةُ التي بها قِوامُ العَيشِ وسِدادُ الخَلَّةِ، وذلك يُعتبَرُ في كلِّ إنسانٍ بقَدرِ حالِه ومَعيشَتِه وليس فيه حَدٌ مَعلومٌ يُحمَلُ عليه الناسُ كلُّهم مع اختِلافِ أحوالِهم، «معالم السنن» (٢/ ٢٣٩).