للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّه لا يُشتَرطُ النِّصابُ لزَكاةِ الزُّروعِ والثِّمارِ، بل هي واجِبةٌ في القَليلِ والكَثيرِ ما لم يَكنْ أقَلَّ من نِصفِ صاعٍ؛ لعُمومِ قَولِه : «فيمَا سَقَت السَّماءُ العُشرُ» (١).

قال ابنُ رُشدٍ : وسَببُ اختِلافِهم: مُعارَضةُ العُمومِ للخُصوصِ، أمَّا العُمومُ فقَولُه : «فيمَا سَقَت السَّماءُ العُشرُ وفيمَا سُقيَ بالنَّضحِ نِصفُ العُشرِ» (٢).

وأمَّا الخُصوصُ فقَولُه : «ليسَ فيمَا دُونَ خَمسةِ أَوسُقٍ صَدقةٌ»، والحَديثانِ ثابِتانِ، فمَن رَأى أنَّ الخُصوصَ يُبنَى على العُمومِ قالَ: لا بدَّ من النِّصابِ وهو المَشهورُ، ومَن رَأى أنَّ العُمومَ والخُصوصَ مُتعارِضان إذا جُهلَ المُتقدِّمُ فيهما والمُتأخِّرُ؛ إذ كانَ قد يُنسَخُ الخُصوصُ بالعُمومِ عندَه، ويُنسَخُ العُمومُ بالخُصوصِ؛ إذ كلُّ ما وجَبَ العَملُ به جازَ نَسخُه، والنَّسخُ قد يَكونُ للبعضِ وقد يَكونُ للكلِّ، ومَن رجَّحَ العُمومَ قالَ: لا نِصابَ، ولكِنَّ حَملَ الجُمهورِ عندِي الخُصوصَ على العُمومِ هو من بابِ تَرجيحِ الخُصوصِ على العُمومِ في الجُزءِ الذي تَعارَضا فيه، فإنَّ العُمومَ فيه ظاهِرٌ والخُصوصَ فيه نَصٌ، فتأمَّلْ هذا؛ فإنَّه السَّببُ الذي صيَّرَ الجُمهورَ إلى أنْ يَقولوا: بُني العامُّ على الخاصِّ وعلى الحَقيقةِ ليسَ بُنيانًا؛ فإنَّ التَّعارُضَ بينَهما مَوجودٌ، إلا أنْ يَكونَ الخُصوصُ مُتَّصِلًا بالعُمومِ فيَكونَ استِثناءً.


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: تَقدَّم.
(٢) حَديثٌ صَحيحٌ: تَقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>