للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقاضِي ابنُ كَجٍّ والغَزاليُّ من الشافِعيةِ (١) إلى أنَّه يَحرُمُ الاحتيالُ في نِهايةِ الحَولِ لِإسقاطِ الزَّكاةِ، وتَثبُتُ في ذمَّةِ المُحتالِ ولا تَسقُطُ عنه مع الحِيلةِ، فمَن كانَت عندَه ماشيةٌ فباعَها قبلَ الحَولِ بدَراهمَ فِرارًا من الزَّكاةِ، أو أَبدلَ النِّصابَ من غيرِ جِنسِه لِيَقطعَ الحَولَ ويَستأنِفَ حَولًا آخَرَ، أو أَتلفَ جُزءًا من النِّصابِ لتَسقُطَ عنه الزَّكاةُ، وجَبَت عليه الزَّكاةُ، سواءٌ كانَ المُبدَلُ ماشيةً أو غَيرَها من النِّصابِ، واستدَلُّوا على ذلك بقَولِه تعالى: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠)[القلم: ١٧ - ٢٠].


= قال: ما احتال به المسلم حتى يَتخلَّصَ به من الحَرامِ أو يَتوصَّلَ به إلى الحَلالِ فلا بأسَ به، وما احتال به حتى يُبطِلَ حَقًّا أو يُحِقَّ باطِلًا أو لِيُدخِلَ به شُبهةً في حَقٍّ فهو مَكروهٌ، والمَكروهُ عندَه إلى الحَرامِ أقرَبُ. وذكَر الشافِعيُّ أنَّه ناظَر مُحمدًا في امرأةٍ كَرِهت زَوجَها وامتنَع من فِراقِها، فمَكَّنت ابنَ زَوجِها من نَفسِها، فإنَّها تَحرُمُ عندَهم على زَوجِها بناءً على قَولِهم: إنَّ حُرمةَ المُصاهرةِ تَثبُتُ بالزِّنا، قال: فقُلتُ لِمُحمدٍ: الزِّنا لا يُحرِّمُ الحَلالَ؛ لأنَّه ضِدُّه ولا يُقاسُ شَيءٌ على ضِدِّه. فقال: يَجمَعُهما الجِماعُ، فقُلتُ: الفَرقُ بينَهما أنَّ الأولَ حُمِدت به وحَصَّنت فَرجَها والآخَرَ ذُمَّت به ووجَب عليها الرَّجمُ، ويَلزَمُ أنَّ المُطلَّقةَ ثَلاثًا إذا زَنت، حَلَّت لِزَوجِها، ومَن كان عندَه أربَعُ نِسوةٍ فزَنى بخامِسةٍ أنْ تَحرُمَ عليه إحدى الأربَعِ إلى آخِرِ المُناظَرةِ. وقد أشكَل قَولُ البُخاريِّ «فإنْ أهلَكَها» بأنَّ الإهلاكَ ليس من الحِيلِ، بل هو من إضاعةِ المالِ، فإنَّ الحيلةَ إنَّما هي لِدَفعِ ضَررٍ أو جَلبِ مَنفَعةٍ وليس كلُّ واحِدٍ منهما مَوجودًا في ذلك، ويَظهَرُ لي أنَّه يُتصوَّرُ بأنْ يَذبحَ الحِقَّتَيْن مَثلًا ويَنتفِعَ بلَحمِهما فتَسقُطَ الزَّكاةُ بالحِقَّتَيْن ويَنتَقِلَ إلى ما دونَهما.
(١) «الشرح الكبير» للرافعي (٢/ ٥٣٣)، و «المجموع» (٥/ ٤٢٩)، و «الفتاوى الكبرى الفقهية» (٤/ ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>