للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مالٍ عندَه فلم يُزكِّه حتى أقرَضَه ثم قبَضَه بعدَ سِنينَ زَكَّاه لِعامَينِ فأسقَطَ زَكاتَه عنه، وهو على المُقتَرِضِ، قالَ الباجيُّ: لا خِلافَ أنَّ القَرضَ لا زَكاةَ فيه. وهذا تَأويلٌ منه عليها، والدَّينُ إنَّما يَقومُ إذا كانَ لِلنَّماءِ وتأوَّلَها القاضِي عِياضٌ على تَقويمِ القَرضِ لعُمومِ قَولِها، والمُديرُ الذي لا يَكادُ يَجتمِعُ مالُه كلُّه عَينًا كالحنَّاطِ والبزَّازِ والذي يُجهِّزُ الأمتِعةَ إلى البُلدانِ يَجعلُ لنَفسِه في السَّنةِ شَهرًا يُقوِّمُ فيه عُروضَه التي لِلتِّجارةِ فيُزكِّي ذلك مع ما معه من عَينٍ وما له من دَينٍ يَرتَجي قَضاءَه وإليه أشارَ بقَولِه (١).

وقالَ الإمامُ أبو الوَليدِ ابنُ رُشدٍ في زَكاةِ المالِ المَدفونِ والوَديعةِ:

ورَدَّ مالِكٌ في رِوايةِ علِيِّ بنِ زِيادٍ عنه في المَجموعةِ المالَ المَدفونَ إلى اللُّقطةِ، فلم يُوجِبِ الزَّكاةَ فيهما جَميعًا إلا لِعامٍ واحِدٍ، وهو أصَحُّ الأَقوالِ في النَّظرِ؛ لأنَّ الزَّكاةَ إنَّما وجَبَت في المالِ العَينِ، وإنْ لم يُحرِّكْه صاحِبُه ولا طلَبَ النَّماءَ فيه؛ لقُدرَتِه على ذلك، وهو ههنا غيرُ قادِرٍ على تَحريكِه وتَنميتِه في المَسألتَينِ جَميعًا، فوجَب أنْ تَسقُطَ عنه الزَّكاةُ فيهما، ولقد رَوى ابنُ نافِع عن مالِكٍ على طَردِ هذه العِلةِ أنَّ الوَديعةَ لا زَكاةَ على صاحبِها فيها حتى يَقبِضَها فيُزكِّيَها لِعامٍ واحِدٍ؛ إذ لا قُدرةَ له على تَنميتِها إلا بعدَ قَبضِها، وهو إِغراقٌ، إلا أنْ يَكونَ مَعنى ذلك أنَّ المُودِعَ غائِبٌ عنه، فيَكونَ لذلك وَجهٌ؛ فهَذه الرِّوايةُ تَدُلُّ على أنَّ عَدمَ القُدرةِ على تَنميةِ المالِ عِلةٌ صَحيحةٌ في إِسقاطِ الزَّكاةِ عنه (٢).


(١) «شرح مختصر خليل» للخرشي (٢/ ١٩٧).
(٢) «البيان والتحصيل» (٢/ ٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>