للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفسِ؛ إذِ المالُ المُحتاجُ إليه حاجةً أصليَّةً لا يَكونُ صاحِبُه غَنيًّا عنه، ولا يَكونُ نِعمةً؛ إذِ التَّنعُّمُ لا يَحصُلُ بالقَدرِ المُحتاجِ إليه حاجةً أصليَّةً؛ لأنَّه من ضَروراتِ حاجةِ البَقاءِ وقِوامِ البَدنِ، فكانَ شُكرُه شُكرَ نِعمةِ البَدنِ، ولا يَحصُلُ الأداءُ عن طِيبِ نَفسٍ، فلا يَقعُ الأداءُ بالجِهةِ المَأمورِ بها؛ لقَولِه : «وأَدُّوا زَكاةَ أَموالِكُم طَيِّبةً بها أَنفسُكم» (١) فلا تَقعُ زَكاةً؛ إذ حَقيقةُ الحاجةِ أمرٌ باطِنٌ لا يُوقَفُ عليه، فلا يُعرَفُ الفَضلُ عن الحاجةِ، فيُقامُ دَليلُ الفَضلِ على الحاجةِ مَقامَه وهو الإِعدادُ لِلإسامةِ والتِّجارةِ، وهذا قَولُ عامَّةِ العُلَماءِ.

وقالَ مالِكٌ: هذا ليسَ بشَرطٍ لوُجوبِ الزَّكاةِ، وتَجِبُ الزَّكاةُ في كلِّ مالٍ، سَواءٌ كانَ ناميًا فاضِلًا على الحاجةِ الأصليَّةِ أو لا، كثيابِ البِذلةِ والمِهنةِ والعَلوفةِ والحَمولةِ والعَمولةِ من المَواشي وعَبيدِ الخِدمةِ والمَسكنِ والمَراكبِ وكِسوةِ الأهلِ وطَعامِهم وما يُتجمَّلُ به من آنيةٍ أو لُؤلُؤٍ أو فَرشٍ ومَتاعٍ لم يَنوِ به التِّجارةَ، ونَحوِ ذلك، واحتَجَّ بعُموماتِ الزَّكاةِ من غيرِ فَصلٍ بينَ مالٍ ومالٍ، نَحوَ قَولِه تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣]. وقوله ﷿: ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)[المعارج: ٢٤، ٢٥]. وقَولِه تعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣]. وغيرِ ذلك؛ ولأنَّها وجَبَت شُكرًا لنِعمةِ المالِ، ومَعنى النِّعمةِ في هذه الأَموالِ أتَمُّ وأقرَبُ؛ لأنَّه مُتعلِّقٌ بالبَقاءِ، فكانت أدْعى إلى الشُّكرِ.


(١) حَديثٌ ضَعيفٌ: رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (٧٥٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>