ولنا: أنَّ مَعنى النَّماءِ والفَضلِ على الحاجةِ الأصليَّةِ لا بدَّ منه لوُجوبِ الزَّكاةِ لِما ذكَرْنا من الدَّلائِلِ، ولا يَتحقَّقُ ذلك في هذه الأَموالِ، وبه تَبيَّنَ أنَّ المُرادَ من العُموماتِ الأَموالُ الناميةُ الفاضِلةُ على الحَوائجِ الأصليَّةِ، وقد خرَجَ الجَوابُ عن قَولِه إنَّها نِعمةٌ؛ لِما ذَكرنا أنَّ مَعنى النِّعمةِ فيها يَرجعُ إلى البَدنِ؛ لأنَّها تَدفَعُ الحاجةَ الضَّروريَّةَ، وهي حاجةُ دَفعِ الهَلاكِ عن البَدنِ، فكانَت تابِعةً لنِعمةِ البَدنِ فكانَ شُكرُها شُكرَ نِعمةِ البَدنِ، وهي العِباداتُ البَدنيَّةُ من الصَّلاةِ والصَّومِ وغيرِ ذلك.
وقَولُه تَعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] دَليلُنا؛ لأنَّ الزَّكاةَ عِبارةٌ عن النَّماءِ، وذلك من المالِ النامي على التَّفسيرِ الذي ذكَرْناه، وهو أنْ يَكونَ مُعدًّا لِلاستِنماءِ، وذلك بالإِعدادِ لِلإسامةِ في المَواشي والتِّجارةِ في أَموالِ التِّجارةِ، إلا أنَّ الإِعدادَ لِلتِّجارةِ في الأَثمانِ المُطلَقةِ من الذَّهبِ والفِضةِ ثابِتٌ بأصلِ الخِلقةِ؛ لأنَّها لا تَصلُحُ لِلانتِفاعِ بأَعيانِها في دَفعِ الحَوائجِ الأصليَّةِ، فلا حاجةَ إلى الإِعدادِ من العبدِ لِلتِّجارةِ بالنِّيةِ؛ إذِ النِّيةُ لِلتَّعيينِ وهي مُتعيَّنةٌ لِلتِّجارةِ بأصلِ الخِلقةِ، فلا حاجةَ إلى التَّعيينِ بالنِّيةِ، فتَجِبُ الزَّكاةُ فيها، نَوى التِّجارةَ أو لم يَنوِ أصلًا، أو نَوى النَّفَقةَ، وأمَّا فيما سِوى الأَثمانِ من العُروضِ فإنَّما يَكونُ الإِعدادُ فيها لِلتِّجارةِ بالنِّيةِ؛ لأنَّها كما تَصلُحُ لِلتِّجارةِ تَصلُحُ لِلانتِفاعِ بأَعيانِها، بلِ المَقصودُ الأصليُّ منها ذلك، فلا بدَّ من التَّعيينِ لِلتِّجارةِ، وذلك بالنِّيةِ، وكذا في المَواشي لا بدَّ فيها من نيَّةِ الإسامةِ؛ لأنَّها كما تَصلُحُ لِلدَّرِّ والنَّسلِ تَصلُحُ لِلحَملِ والرُّكوبِ واللَّحمِ، فلا بدَّ من النِّيةِ.