للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَكاتُه لِما مَضى من السِّنينَ ثم عقَّبَ بعدَ ذلك بكِتابٍ ألَّا يُؤخَذَ منه إلا زَكاةٌ واحِدةٌ، فإنَّه كانَ ضِمارًا.

وحدَّثَني عن مالِكٍ عن يَزيدَ بنِ خَصيفةَ أنَّه سألَ سُليمانَ بنَ يَسارٍ عن رَجلٍ له مالٌ وعليه دَينٌ مِثلُه، أعليه زَكاةٌ؟ فقالَ: لا.

قال مالِكٌ: الأمْرُ الذي لا اختِلافَ فيه عندَنا في الدَّينِ أنَّ صاحِبَه لا يُزكِّيه حتى يَقبِضَه، وإنْ أقامَ عندَ الذي هو عليه سِنينَ ذواتِ عَددٍ ثم قبَضَه صاحِبُه لم تَجبْ عليه إلا زَكاةٌ واحِدةٌ، فإنْ قبَضَ منه شَيئًا لا تَجبُ فيه الزَّكاةُ فإنَّه إنْ كانَ له مالٌ سِوى الذي قبَضَ تَجبُ فيه الزَّكاةُ، فإنَّه يُزكِّي مع ما قبَضَ من دَينِه ذلك (١).

قال الإمامُ أبو عُمرَ بنُ عبدِ البَرِّ : قد بيَّنَ مالِكٌ مَذهبَه في الدَّينِ في هذا البابِ من مُوطَّئِه وأشارَ إلى الحُجةِ لمَذهبِه بعضَ الإِشارةِ، والدَّينُ عندَه والعُروضُ لغيرِ المُديرِ بابٌ واحِدٌ، ولم يَرَ في ذلك إلا زَكاةً واحِدةً لِما مَضى من الأَعوامِ تأسِّيًا بعمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ في المالِ الضِّمارِ؛ لأنَّه قَضى أنَّه لا زَكاةَ فيه إلا لِعامٍ واحِدٍ، والدَّينُ الغائِبُ عندَه كالضِّمارِ؛ لأنَّ الأصلَ في الضِّمارِ ما غابَ عن صاحبِه، والعُروضُ عندَه لِمن لا يُديرُ، وعندَ بعضِ أَصحابِه لِمن يُديرُ إذا كانَ عليه حُكمُه حُكمُ الدَّينِ المَذكورِ.

وليس لِهذا المَذهبِ في النَّظرِ كَبيرُ حَظٍّ إلا ما يُعارِضُه من النَّظرِ ما هو أَقوى منه.


(١) «الموطأ» (١/ ٢٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>