للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: مَنْ له دَينٌ على مَليءٍ قادِرٍ على وَفائِه باذِلٍ لِلدَّينِ مِنْ قَرضٍ أو دَينٍ من عُروضِ تِجارةٍ أو صَداقٍ أو مَبيعٍ لم يَقبِضْه فإنَّ الزَّكاةَ تَجبُ عليه؛ لأنَّه يَجوزُ أنْ يَتصرَّفَ فيه بالإِبراءِ والحَوالةِ إلا أنَّه لا يَلزمُه أنْ يُخرِجَها حتى يَقبِضَه فيُؤدِّيَ لِما مَضى؛ لأنَّه دَينٌ ثابِتٌ في الذِّمةِ يَلزمُه الإِخراجُ قبلَ قَبضِه كما لو كانَ على مُعسِرٍ؛ ولأنَّ الزَّكاةَ تَجبُ على طَريقِ المُواساةِ، وليسَ من المُواساةِ أنْ يُخرِجَ زَكاةَ مالٍ لا يُنتفَعُ به.

وسواءٌ قصَدَ ببَقائِه الفِرارَ من الزَّكاةِ أو لا، وإنَّما يُزكِّيه لِما مَضى؛ لأنَّه مَملوكٌ له يَقدِرُ على الانتِفاعِ به فلزِمَته زَكاتُه كسائِرِ أَموالِه (١).

قال الإمامُ ابنُ عبدِ البَرِّ : كلُّ من كانَ له دَينٌ من قَرضٍ اقتَرضَه وأخرَجَه عَينًا من يَدِه أو مِنْ ثَمنِ سِلعةٍ كانَت عندَه لِلتِّجارةِ وهو غيرُ مُديرٍ فباعَها بدَينٍ فلا زَكاةَ عليه فيه حتى يَقبِضَه، فإذا قبَضَه زَكاةً لحَولٍ واحِدٍ سواءٌ أقامَ حَولًا أو أحوالًا عندَ الذي هو عليه، وليسَ عليه أنْ يُخرِجَ زَكاتَه من غيرِه، وأحَبُّ إليَّ أنْ كانَ على مَليءٍ أنْ يُزكِّيَه لِحَولِه ولا يَجبُ ذلك عليه عندَ مالِكٍ قادرًا كانَ على أخذِه أو غيرَ قادِرٍ حتى يَقبِضَه، والذي أقولُ


وذكَر الكَرخيُّ أنَّ هذا إذا لم يَكُنْ له مالٌ سوى الدَّينِ، فأمَّا إذا كان له مالٌ سِوى الدَّينِ فما قبَض منه فهو بمَنزِلةِ المُستَفادِ فيُضَمُّ إلى ما عندَه واللهُ أعلَمُ.
(١) «مسائل الإمام أحمد» رواية ابنه عبد الله (١٥٦، ١٥٧)، و «المغني» (٤/ ٢٣، ٢٤)، ويُنظر: «المبدع» (٢/ ٢٩٦)، و «شرح الزركشي» (١/ ٣٩٨)، و «الإنصاف» (٣/ ١٨)، و «كشاف القناع» (٢/ ١٩٨، ١٩٩)، و «شرح منتهى الإرادات» (٢/ ١٧٤، ١٧٥)، و «الروض المربع» (١/ ٣٧٤)، و «الكافي» لابن عبد البر (٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>