والثاني: إنْ كان الدَّينُ مالًا مَملوكًا أيضًا لكنَّه مالٌ لا يَحتمِلُ القَبضَ؛ لأنَّه ليس بمالٍ حَقيقةً بل هو مالٌ حُكميٌّ في الذِّمَّةِ، وما في الذِّمَّةِ لا يُمكِنُ قَبضُه، فلم يَكُنْ مالًا مَملوكًا رَقبةً ويَدًا فلا تَجِبُ الزَّكاةُ فيه كمالِ الضِّمارِ، فقياسُ هذا ألَّا تَجِبَ الزَّكاةُ في الدُّيونِ كلِّها لِنُقصانِ المِلكِ بفَواتِ اليَدِ إلا أنَّ الدَّينَ الذي هو بَدلُ مالِ التِّجارةِ التَحَق بالعَينِ في احتِمالِ القَبضِ لِكَونِه بَدَلَ مالِ التِّجارةِ قابِلٌ للقَبضِ، والبَدلُ يُقامُ مَقامَ المُبدَلِ، والمُبدَلُ عَينٌ قائِمةٌ قابِلةٌ لِلقَبضِ، فكذا ما يَقومُ مَقامَه، وهذا المَعنى لا يُوجَدُ فيما ليس ببَدلٍ رأسًا ولا فيما هو بَدلٌ عما ليس بمالٍ، وكذا في بَدلِ مالٍ ليس لِلتِّجارةِ على الرِّوايةِ الصَّحيحةِ أنَّه لا تَجِبُ فيه الزَّكاةُ ما لم يَقبِضْ قَدرَ النِّصابِ ويَحُلْ عليه الحَولُ بعدَ القَبضِ؛ لأنَّ الثَّمنَ بَدلُ مالٍ ليس لِلتِّجارةِ فيَقومُ مَقامَ المُبدَلِ، ولو كان المُبدَلُ قائِمًا في يَدِه حَقيقةً لا تَجِبُ الزَّكاةُ فيه، فكذا في بَدَلِه بخِلافِ بَدلِ مالِ التِّجارةِ. وأمَّا الكَلامُ في إخراجِ زَكاةِ قَدرِ المَقبوضِ من الدَّينِ الذي تَجِبُ فيه الزَّكاةُ على نَحوِ الكَلامِ في المالِ العَينِ إذا كان زائِدًا على قَدرِ النِّصابِ وحالَ عليه الحَولُ فعندَ أبي حَنيفةَ لا شَيءَ في الزيادةِ هناك ما لم يَكُنْ أربَعين دِرهمًا، فههنا أيضًا لا يُخرِجُ شَيئًا من زَكاةِ المَقبوضِ ما لم يَبلُغِ المَقبوضُ أربَعين دِرهمًا فيُخرِجُ من كلِّ أربَعينَ دِرهَمًا يَقبِضُها دِرهمًا. وعندَهما يُخرِجُ قَدرَ ما قبَض قَلَّ المَقبوضُ أو كَثُر، كما في المالِ العَينِ إذا كان زائِدًا على النِّصابِ وسيأتي الكَلامُ فيه إنْ شاءَ اللهُ تَعالى. =