للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المعارج: ٢٤، ٢٥].

قال الحافِظُ ابنُ حَجرٍ : اختُلِف في أوَّلِ وَقتِ فَرضِ الزَّكاةِ، فذهَبَ الأكثرُ إلى أنَّه وقَعَ بعدَ الهِجرةِ، فقيل: كانَ في السَّنةِ الثانيةِ قبلَ فَرضِ رَمضانَ، أشارَ إليه النَّوويُّ في بابِ السِّيرِ من «الرَّوضة»، وجزَمَ ابنُ الأثيرِ في «التاريخِ» بأنَّ ذلك كانَ في التاسِعةِ، وفيه نَظرٌ.

وادَّعى ابنُ خُزيمةَ في صَحيحِه أنَّ فَرْضَها كانَ قبلَ الهِجرةِ، واحتَجَّ بما أخرَجَه من حَديثِ أُمِّ سَلمةَ في قِصَّةِ هِجرتِهم إلى الحَبشةِ، وفيها أنَّ جَعفرَ بنَ أبي طالِبٍ قالَ للنَّجاشيِّ في جُملةِ ما أخبَرَه عن النَّبيِّ : «ويَأمرُنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ» انتَهى.

وفي استِدلالِه بذلك نَظرٌ؛ لأنَّ الصَّلواتِ الخَمسَ لم تَكنْ فُرضَت بعدُ ولا صيامُ رَمضانَ، فيُحتمَلُ أنْ تَكونَ مُراجَعةُ جَعفَرَ لم تَكنْ أولَ ما قدِمَ على النَّجاشيِّ، وإنَّما أخبَرَه بذلك بعدَ مُدةٍ قد وقَعَ فيها ما ذُكرَ من قِصةِ الصَّلاةِ والصِّيامِ، وبلَغَ ذلك جَعفرًا، فقالَ: «يَأمرُنا»، بمَعنى يَأمرُ أُمتَه. وهو بَعيدٌ جدًّا، وأَولى ما حُملَ عليه حَديثُ أُمِّ سَلمةَ هذا -إنْ سلِمَ من قَدحٍ في إسنادِه- أنَّ المُرادَ بقَولِه: «يَأمرُنا بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ» أي في الجُملةِ، ولا يَلزَمُ من ذلك أنْ يَكونَ المُرادُ بالصَّلواتِ الصلواتِ الخَمسَ، ولا بالصِّيامِ صِيامَ رَمضانَ، ولا بالزَّكاةِ هذه الزَّكاةَ المَخصوصةَ ذاتَ النِّصابِ والحَولِ، واللهُ أعلمُ.

ومما يَدلُّ على أنَّ فَرضَ الزَّكاةِ وقَعَ بعدَ الهِجرةِ اتِّفاقُهم على أنَّ صيامَ رَمضانَ إنَّما فُرِض بعدَ الهِجرةِ؛ لأنَّ الآيةَ الدالَّةَ على فَريضتِه مَدنيَّةٌ بلا خِلافٍ، وثبَتَ عندَ أحمدَ وابنِ خُزيمةَ وأيضًا عندَ النَّسائيِّ وابنِ ماجَه

<<  <  ج: ص:  >  >>