يَهونَ عليه ألَمُ الدُّنيا لِإيقانِه بالآخِرةِ، فأمَرَ النَّبيُّ ﷺ بكلِّ ذلك، وضبَطَ أعظَمَها، وهو بَذلُ المالِ بحُدودٍ، وقُرنَت بالصَّلاةِ والإِيمانِ في مَواضعَ كَثيرةٍ من القُرآنِ، وقالَ تعالَى عن أهلِ النارِ: ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥)﴾.
وأيضًا: فإنَّه إذا عَنَّت للمِسكينِ حاجةٌ شَديدةٌ، واقتَضى تَدبيرُ اللهِ أنْ يَسُدَّ خَلَّتَه بأنْ يُلهِمَ الإِنفاقَ عليه في قَلبِ رَجلٍ، فكانَ هو بذلك انبسَطَ قَلبُه لِلإلهامِ، وتحقَّقَ له بذلك انشِراحٌ رُوحانِيٌّ، وصارَ مُعَدًّا لرَحمةِ اللهِ تعالَى نافِعًا جدًّا في تَهذيبِ نَفسِه، والإِلهامُ الجُمليُّ المُتوجَّهُ إلى الناسِ في الشَّرائعِ تِلوَ الإِلهامِ التَّفصيليِّ في فَوائدِه، وأيضًا المِزاجُ السَّليمُ مَجبولٌ على رِقَّةِ الجِنسيَّةِ، وهذه خَصلةٌ عليها يَتوقَّفُ أكثَرُ الأَخلاقِ الراجِعةِ إلى حُسنِ المُعامَلةِ مع الناسِ، فمَن فقَدَها ففيه ثُلمةٌ يَجبُ عليه سَدُّها، وأيضًا فإنَّ الصَّدقاتِ تُكفِّرُ الخَطيئاتِ وتَزيدُ في البَركاتِ.
ومَصلَحةٌ تَرجعُ إلى المَدينةِ، وهي أنَّها تَجمَعُ لا مَحالةَ الضُّعفاءَ، وذَوي الحاجةِ، وتلك الحَوادثُ تَغدو على قَومٍ وتَروحُ على آخَرينَ، فلو لم تَكُنِ السُّنةُ بينَهم مُواساةَ الفُقراءِ وأهلِ الحاجاتِ لَهَلكوا وماتوا جُوعًا، وأيضًا فنِظامُ المَدينةِ يَتوقَّفُ على مالٍ يَكونُ به قِوامُ مَعيشةِ الحَفظةِ الذابِّينَ عنها والمُدبِّرينَ السائِسينَ لها، ولمَّا كانوا عامِلينَ للمَدينةِ عَملًا نافِعًا مَشغولينَ به عن اكتِسابِ كَفافِهم وجَبَ أنْ يَكونَ قِوامُ مَعيشَتِهم عليها، والإِنفاقاتُ المُشتَركةُ لا تَسهُلُ على بَعضِهم، أو لا يَقدِرُ عليها بعضُهم؛ فوجَبَ أنْ تَكونَ جِبايةُ الأَموالِ من الرَّعيَّةِ سُنةً.