المُوصَى له ليَنظرَ أنفَعَ الوُجوهِ له فيَجعلَه فيه، فلو أَرادَ أنْ يأخُذَ هو منه لقالَ له:«أو لك منه كذا»، وما أشبَهَ ذلك من أَلفاظِ التَّمليكِ، وقياسًا على قَولِه:«أعطِه مَنْ شِئتَ».
ودَليلُنا على الثاني قَولُه:«ضَعْه»، بمَنزلةِ قَولِه:«أَعطِه مَنْ شِئتَ»؛ لأنَّ مَفهومَ اللَّفظَينِ واحِدٌ، ولأنَّه جعَلَ صَرفَها مَوكولًا إلى مَشيئتِه، كما لو قالَ:«أَعطِه مَنْ شِئتَ»(١).
وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: وإذا أَوصَى إليه بتَفريقِ مالٍ لم يَكنْ له أخذُ شَيءٍ منه، نَصَّ عليه أَحمدُ، فقالَ: إذا كانَ في يَدِه مالٌ للمَساكينِ وأَبوابِ البِرِّ وهو يَحتاجُ إليه فلا يَأكُلْ منه شَيئًا، إنَّما أُمرَ بتَنفيذِه، وبهذا قالَ مالِكٌ والشافِعيُّ.
وقالَ أَبو ثَورٍ وأَصحابُ الرأيِ: إذا قالَ المُوصي: «جعَلتُ لك أنْ تَضعَ ثُلثي حيثُ شِئتَ، أو حيثُ رَأيتَ»، فله أخذُه لنَفسِه ووَلدِه.
ويَحتمِلُ أنْ يَجوزَ ذلك عندَنا؛ لأنَّه يَتناوَلُه لَفظُ المُوصي، ويَحتمِلُ أنْ يَنظُرَ إلى قَرائنِ الأَحوالِ، فإنْ دلَّت على أنَّه أَرادَ أخذَه منه مِثلَ أنْ يَكونَ من جُملةِ المُستحِقِّينَ الذين يُصرفُ إليهم ذلك أو تَكونَ عادَتُه الأخذَ من مِثلِه فله الأخذُ منه، وإلا فلا، ويَحتملُ أنَّ له إِعطاءَ وَلدِه وسائِرِ أَقاربِه إذا كانوا مُستحِقِّينَ دونَ نَفسِه؛ لأنَّه مَأمورٌ بالتَّفريقِ، وقد فرَّقَ فيمَن يَستحِقُّ فأشبَهَ ما لو دُفِعَ إلى أجنَبيٍّ.
(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ١٧٠، ١٧١)، رقم (١٩٢٣).