للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ هُبيرةَ : واختلَفوا فيما إذا أَوصَى إلى رَجلٍ بثُلثِ مالِه فقال له: «ضَعْه حيثُ شِئتَ»، فقالَ أَبو حَنيفةَ: له أنْ يَدفعَه إلى نَفسِه وأنْ يُعطيَه بعضَ أَولادِه.

وقالَ مالِكٌ وأَحمدُ والشافِعيُّ: ليسَ له ذلك، واستَثنَى مالِكٌ ألَّا يَكونَ لذلك أَهلًا (١).

وقالَ القاضي عبدُ الوَهابِ : إذا قالَ: «ضَعْ ثُلثي حيثُ شِئتَ، أو اجعَلْه حيثُ أحبَبتَ، أو أعطِه مَنْ أحبَبتَ»، فذلك كلُّه سَواءٌ لا يَأخذُ لنَفسِه شَيئًا ولا لوَلدِه، إلا أنْ يَكونَ لذلك وَجهٌ.

وقالَ أَبو حَنيفةَ: إذا قالَ: «اجعَلْه حيثُ شِئتَ، أو ضَعْه حيثُ أحبَبتَ»، فله أنْ يأخُذَه لنَفسِه أو بعضِ وَلدِه، ولو قالَ: «أَعطِه مَنْ أحبَبتَ»، لم يَكنْ له أنْ يَأخُذَه لنَفسِه، فالكَلامُ في مَوضعَينِ: أَحدُهما: أنَّه ليسَ له أنْ يأخُذَ لنَفسِه شَيئًا إلا أنْ يَكونَ لذلك وَجهٌ، والآخَرُ: أنَّه لا فَرقَ بينَ اللَّفظَينِ.

فدَليلُنا على الأولِ مَفهومُ هذه الأَلفاظِ في الشَّرعِ أنَّها عِبارةٌ عن الاجتِهادِ بقَدرِ فِعلِ الإِمامِ فيه ما رأى، وقد وضَعَه حيثُ أَراه اللهُ ، مَفهومُه أنَّه قد وكَّلَ ذلك إلى رأيِه، وجعَلَه إلى اجتِهادِه، وقد عُلمَ أنَّ المُوصيَ بالثُّلثِ غَرضُه وَضعُه في وُجوهِ القُربِ، وأنَّه إنَّما وكَلَه إلى


(١) «الإفصاح» (٢/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>