للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا إنْ قبِلَ بعدَ مَوتِ المُوصي وكذا في حَياتِه على الصَّحيحِ أو جاءَ منه ما يَدلُّ على القَبولِ من بَيعٍ أو شِراءٍ لزِمَته الوَصيةُ، ولم يَجُزْ له عَزلُ نَفسِه، وإنْ لم يَعلَمْ بأنَّه أَوصاه إلا بعدَ مَوتِه فله الامتِناعُ من القَبولِ، فإنْ لم يَقبَلْ فليسَ له بعدَ ذلك قَبولٌ.

وإنْ أبَى القَبولَ في حَياتِه أو بعدَ مَوتِه فلا قَبولَ له بعدَ ذلك؛ لأنَّ إِبايتَه صَيَّرته أجنَبيًّا، فقَبولُه بعدَها يَحتاجُ لإِيصاءٍ جَديدٍ وهو لا يُمكنُ بعدَ المَوتِ، فيَصيرُ النَّظرُ للحاكِمِ، فإنْ شاءَ جعَلَه مُقدَّمًا من طَرفِه وإنْ شاءَ قدَّمَ غيرَه (١).

وقالَ القاضي عبدُ الوَهابِ: إذا قبِلَ المُوصَى إليه ثم أَرادَ تَركَها لم يَجُزْ له ذلك إلا أنْ يَعجِزَ عنها أو يَظهَرَ له عُذرٌ في الامتِناعِ من المُقامِ عليها، خِلافًا للشافِعيِّ في إِجازتِه تَركَها؛ لأنَّها قُربةٌ وفِعلُ خَيرٍ ألزَمَه نَفسَه لم يَكنْ له الخُروجُ منه بغيرِ عُذرٍ اعتِبارًا بالصَّومِ والحَجِّ (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ الإِيصاءَ عَقدٌ جائِزٌ من الطَّرفَينِ، ويَجوزُ للمُوصي والوَصيِّ الرُّجوعُ في الوَصيةِ متى شاءَ، وله عَزلُ نَفسِه متى شاءَ، سَواءٌ في حَياةِ المُوصي أو بعدَ مَوتِه.


(١) «الذخيرة» (٧/ ١٦٨)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٩٤)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٤٧٧)، و «الشرح الكبير على حاشية الدسوقي» (٦/ ٥٣٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٨٨).
(٢) «المعونة» (٢/ ٥١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>