للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا قبِلَ الوَصيُّ الوَصيةَ أو تَصرفَ بعدَ المَوتِ وأَرادَ أنْ يُخرجَ نَفسَه من الوَصيةِ لم يَجُزْ ذلك إلا عندَ الحاكِمِ؛ لأنَّه التزَمَ القيامَ بها، فعَزلُه لنَفسِه بغيرِ حَضرةِ المُوكِّلِ.

أمَّا إذا حضَرَ عندَ الحاكِمِ فالحاكِمُ قائِمٌ مَقامَ المُوصي؛ لعَجزِه عن استِيفاءِ حُقوقِه وصارَ كالوَكيلِ إذا عزَلَ نَفسَه بحَضرةِ المُوكِّلِ.

وإنْ لم يَقبَلْ حتى ماتَ المُوصي فقالَ: «لا أقبَلُ»، ثم قالَ: «أقبَلُ»، فله ذلك إنْ لم يَكُنِ القاضي أخرَجَه من الوَصيةِ حينَ قالَ: لا أقبَلُ؛ لأنَّه بمُجردِ قَولِه: «لا أقبَلُ» لا يَبطُلُ الإِيصاءُ؛ لأنَّ في إِبطالِه ضَررًا بالمَيتِ، وضَررُ الوَصيِّ في الإِبقاءِ مَجبورٌ بالثَّوابِ، ودَفعُ الأولِ وهو أعلى أوْلى، إلا أنَّ القاضيَ إذا أخرَجَه عن الوِصايةِ يَصحُّ ذلك؛ لأنَّه مُجتهِدٌ فيه؛ إذْ للقاضي وِلايةُ دَفعِ الضَّررِ، وربَّما يَعجِزُ عن ذلك فيَتضرَّرُ ببَقاءِ الوِصايةِ فيَدفعُ القاضي الضَّررَ عنه، ويُنصِّبُ حافِظًا لمالِ المَيتِ مُتصرِّفًا فيه فيَندفِعُ الضَّررُ من الجانبَينِ، فلهذا يَنفُذُ إِخراجُه، فلو قالَ بعدَ إِخراجِ القاضي إِياه: «أقبَلُ»، لم يُلتفَتْ إليه؛ لأنَّه قبِلَ بعدَ بُطلانِ الوِصايةِ بإِبطالِ القاضي (١).

وقالَ المالِكيةُ: للوَصيِّ عَزلُ نَفسِه من الإِيصاءِ في حَياةِ المُوصي؛ لأنَّ عَقدَها غيرُ لازِمٍ من الطَّرفَينِ، وللمُوصي أنْ يَعزلَ الوَصيَّ ولو بلا جَريمةٍ تُوجِبُ ذلك.


(١) «الهداية» (٤/ ٢٥٨)، و «العناية شرح الهداية» (١٦/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «تبيين الحقائق» (٦/ ٢٠٦)، و «البحر الرائق» (٨/ ٥٢١)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٨٠، ٣٨١)، و «اللباب» (٢/ ٥٩١، ٥٩٢)، و «الدر المختار» (٦/ ٧٠٠، ٧٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>