للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخْذَه على جِهةِ القَرضِ، وهذا خِلافُ ما رُويَ عن ابنِ عَباسٍ وهو أوْلى؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ قالَ: «لا يَحلُّ لي ممَّا أفاءَ اللهُ عليكم مثلُ هذه -يَعني وَبرةً أخَذَها من بَعيرةٍ- إلا الخُمسَ» إذا كانَ النَّبيُّ فيما يَتولَّاه من أَموالِ المُسلِمينَ كما ذَكَرنا كانَ الوَصيُّ فيما يَتولَّاه من مالِ اليَتيمِ أحرى أنْ يَكونَ كذلك (١)، وقد تقدَّمَ كَلامُ ابنِ عابدِين مُفصَّلًا في المَسألةِ السابِقةِ.

وقالَ المالِكيةُ: لا يَجوزُ للوَصيِّ أنْ يَأكلَ من مالِ يَتيمِه إلا بقَدرِ اشتِغالِه به وخِدمتِه فيه وقيامِه عليه إنْ كانَ مُحتاجًا إلى ذلك، وأمَّا إنْ كانَ غَنيًّا عن ذلك فلا يَفعَلْ؛ لقَولِ اللهِ ﷿: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ﴾ [النساء: ٦].

قالَ ابنُ رُشدٍ: وقد قيلَ: إنَّ للغَنيِّ أنْ يَأكلَ منه بقَدرِ قيامِه عليه وخِدمتِه فيه وانتِفاعِ اليَتيمِ به في حُسنِ نَظرِه له، فإنْ لم يَكنْ له في مالِه خِدمةٌ ولا عَملٌ سِوى أنَّه يَتفقَّدُه ويُشرفُ عليه لم يَكنْ له أنْ يَأكلَ منه إلا ما لا ثَمنَ له ولا قَدرَ لقيمَتِه مِثلَ اللَّبنِ في المَوضعِ الذي لا ثَمنَ له فيه، ومِثلَ الفاكِهةِ من ثَمرِ حائِطِه، ولا أنْ يَركبَ دَوابَّه ولا أنْ يَنتفعَ بظَهرِ إِبلِه ولا أنْ يَستسلِفَ من مالِه (٢).

وقالَ الشافِعيةُ -كما تقدَّمَ في المَسألةِ السابِقةِ-: إذا كانَ الناظِرُ في أمرِ الطِّفلِ أَبًا أو جَدًّا أو أُمًّا بحُكمِ الوَصيةِ، وكانَ فَقيرًا فنَفقتُه على الطِّفلِ، وله


(١) «مختصر اختلاف العُلماء» (٥/ ٧٨، ٨٠)، و «موطأ مالك» برواية محمد بن الحسن (٣/ ٤٣٢، ٤٣٤)، و «أحكام القرآن» للجصاص (٢/ ٣٦٠)، و «فتاوى السغدي» (٢/ ٨٢٨)، و «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٣١٧).
(٢) «البيان والتحصيل» (١٨/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>