للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد جاءَ في «المُدوَّنة الكُبرى»: بابٌ في الوَصيةِ بالحَجِّ.

(قُلتُ) لابنِ القاسِمِ: ما قَولُ مالِكٍ فيمَن ماتَ وهو صَرورةٌ -أي: لم يَحجَّ حَجةَ الإِسلامِ- فلم يُوصِ بأنْ يُحجَّ عنه، أيَحجُّ أحدٌ تَطوعًا بذلك عنه، وَلدٌ أو والِدٌ أو زَوجةٌ أو أجنَبيٌّ من الناسِ؟ (قالَ) قالَ مالِكٌ: يَتطوَّعُ عنه بغيرِ هذا، أو يَتصدَّقُ عنه أو يُعتقُ عنه (١).

وقالَ ابنُ العَربيِّ: لمَّا ذكَرَ اللهُ تَقديمَ الدَّينِ على الوَصيةِ تعلَّقَ بذلك الشافِعيُّ في تَقديمِ دَينِ الزَّكاةِ والحَجِّ على المِيراثِ، فقالَ: إنَّ الرَّجلَ إذا فرَّطَ في زَكاتِه وحَجِّه أُخذَ ذلك من رأسِ مالِه.

وقالَ أَبو حَنيفةَ ومالِكٌ: إنْ أَوصَى بها أُدِّيت من ثُلثِه، وإنْ سكَتَ عنها لم يُخرَجْ عنه شَيءٌ.

وتَعلُّقُ الشافِعيِّ ظاهِرٌ ببادِئِ الرأيِ؛ لأنَّه حَقٌّ من الحُقوقِ فلزِمَ أَداؤُه عنه بعدَ المَوتِ كحُقوقِ الآدَميِّينَ، لا سيَّما والزَّكاةُ مَصرِفُها إلى الآدَميِّ.

ومُتعلِّقُ مالِكٍ أنَّ ذلك مُوجِبُ إِسقاطِ الزَّكاةِ أو تَركِ الوَرثةِ فُقراءَ؛ لأنَّه يَعتمدُ تَركَ الكلِّ حتى إذا ماتَ استَغرقَ ذلك جَميعَ مالِه، فلا يَبقَى للوَرثةِ حَقٌّ، فكانَ هذا قَصدًا باطِلًا في حَقِّ عِباداتِه وحَقِّ وَرثتِه، وكلُّ مَنْ قصَدَ باطِلًا في الشَّريعةِ نُقضَ عليه قَصدُه، تَحقَّق ذلك منه أو اتُّهِم به إذا ظهَرَت عَلامتُه، كما قَضَينا بحِرمانِ المِيراثِ للقاتِلِ، وقد مهَّدناه في مَسائلِ الخِلافِ (٢).


(١) «المدونة الكبرى» (٢/ ٤٩١).
(٢) «أحكام القرآن» (١/ ٤٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>