قالَ الإِمامُ أَبو حَنيفةَ: وإنْ أحَبَّ الوارِثُ أنْ يَحجَّ عنه حَجَّ، وأرجو أنْ يُجزئَه ذلك إنْ شاءَ اللهُ تَعالى.
أمَّا الجَوازُ فلمَا رُويَ أنَّ رَجلًا جاءَ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ وقالَ: يا رَسولَ اللهِ إنَّ أُمي ماتَت ولم تَحجَّ أفأحُجُّ عنها؟ فقالَ:«نَعَمْ» فقد أَجازَ النَّبيُّ ﷺ حَجَّ الرَّجلِ عن أُمِّه ولم يَستفسِرْ أنَّها ماتَت عن وَصيةٍ أو ليسَ عن وَصيةٍ، ولو كانَ الحُكمُ يَختلِفُ لاستَفسَرَ.
وإنْ ماتَ عن وَصيةٍ لا يَسقطُ الحَجُّ عنه، ويَجبُ أنْ يُحَجَّ عنه؛ لأنَّ الوَصيةَ بالحَجِّ قد صَحَّت، وإذا حَجَّ عنه يَجوزُ عندَ استِجماعِ شَرائطِ الجَوازِ، وهي نِيةُ الحَجِّ عنه وأنْ يَكونَ الحَجُّ بمالِ المُوصي أو بأكثَرِه إلا تَطوُّعًا، وأنْ يَكونَ راكِبًا لا ماشِيًا، ويُحَجُّ عنه من ثُلثِ مالِه سَواءٌ قيَّدَ الوَصيةَ بالثُّلثِ بأنْ يُحجَّ عنه بثُلثِ مالِه أو أطلَقَ بأنْ أَوصَى بأنْ يُحجَّ عنه.
أمَّا إذا قُيدَ فظاهِرٌ، وكذا إذا أُطلقَ؛ لأنَّ الوَصيةَ تَنفُذُ من الثُّلثِ؛ لأنَّ دُيونَ اللهِ تَعالى من حيثُ إنَّه لا يَجبُ بمُقابلتِها عِوضٌ ماليٌّ فهي بمَنزلةِ التَّبرعاتِ فيُعتبَرُ خُروجُها من الثُّلثِ (١).
وأمَّا المالِكيةُ فهم كالحَنفيةِ فيمَن ماتَ وعليه حَجٌّ فلم يَحجَّ إنْ أَوصَى به حَجَّ عنه، وإنْ لم يُوصِ لم يَحجَّ عنه.
(١) «تحفة الفُقهاء» (١/ ٤٢٦، ٤٢٧)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٢٢١، ٢٢٢)، و «مختصر اختلاف العُلماء» (٢/ ٩١، ٩٢)، و «البحر الرائق» (٢/ ٢٢٧)، و «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٧٦٠، ٨/ ٤٧١).