للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسقُطْ بالمَوتِ كالدَّينِ؛ لمَا رُويَ عن ابنِ عَباسٍ أنَّ امرأةً سألَت النَّبيَّ عن أَبيها ماتَ ولم يَحُجَّ قالَ: «حُجِّي عن أَبيكِ» (١).

وعن ابنِ عَباسٍ قالَ: قالَ رَجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ أَبي ماتَ ولم يَحُجَّ أفأحُجُّ عنه؟ قالَ: «أرأيتَ لو كانَ على أَبيكَ دَينٌ أكُنتَ قاضيَه؟» قالَ: نَعَمْ. قالَ: «فدَينُ اللهِ أحَقُّ» (٢)، ويَحجُّ عنه مِنْ رأسِ مالِه بأقَلَّ ما يُوجدُ من مِيقاتِ بَلدِه، وكذلك يُخرجُ عنه من رأسِ مالِه ما وجَبَ عليه من زَكاةٍ وكَفَّاراتٍ وإنْ لم يُوصِ بها؛ لأنَّ ما تعلَّقَ وُجوبُه بالمالِ لزِمَ أَداؤُه عنه بعدَ المَوتِ كحُقوقِ الآدَميِّينَ، لا سيَّما والزَّكاةُ مَصرِفُها إلى الآدَميِّ، وإذا لزِمَ أَداؤُه عنه، فمِن رأسِ المالِ كالدُّيونِ (٣).

وقالَ الحَنفيةُ: مَنْ ماتَ وعليه حَجةُ الإِسلامِ أو عليه زَكاةٌ وله مالٌ فلا يَخلو من أنْ يَكونَ ماتَ من غيرِ وَصيةٍ أو يَكونَ ماتَ عن وَصيةٍ.

فإنْ ماتَ من غيرِ وَصيةٍ فإنَّه يَأثَمُ بلا خِلافٍ؛ لتَفويتِه الفَرضَ عن وَقتِه مع إِمكانِ الأَداءِ في الجُملةِ، فيَأثمُ لكنْ يَسقطُ عنه في حَقِّ أَحكامِ الدُّنيا حتى إنَّه لا يَلزمُ الوارِثَ الحَجُّ عنه مِنْ تَركتِه ولا إِخراجُ الزَّكاةِ من تَركتِه؛ لأنَّه عِبادةٌ، والعِباداتُ تَسقطُ بمَوتِ مَنْ عليه سَواءٌ كانَت بَدنيةً أو ماليةً في حَقِّ أَحكامِ الدُّنيا.


(١) رواه النسائي (٢٦٣٤).
(٢) رواه النسائي (٢٦٣٩)، وابن حبان في «صحيحه» (٣٩٩٢).
(٣) «الحاوي الكبير» (٨/ ٢٤٣، ٢٤٤)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٤٥٣، ٤٥٤)، و «المغني» (٢/ ٢٨٩)، و (٣/ ١٠١)، و «الكافي» (١/ ٣٨٦، ٣٨٧)، و «الشرح الكبير» (٣/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>