للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجهُ قَولِهما: أنَّ الوَصيةَ بهذه الأَشياءِ وَصيةٌ بما هو مَعصيةٌ والوَصيةُ بالمَعاصي لا تَصحُّ.

وَجهُ قَولِ أَبي حَنيفةَ: أنَّ المُعتبَرَ في وَصيتِهم ما هو قُربةٌ عندَهم، لا ما هو قُربةٌ حَقيقةً؛ لأنَّهم ليسوا من أهلِ القُربةِ الحَقيقيةِ، ولهذا لو أَوصَى بما هو قُربةٌ عندَنا وليسَ بقُربةٍ عندَهم لم تَجُزْ وَصيتُه كالحَجِّ وبِناءِ المَسجدِ للمُسلِمينَ، فدَلَّ على أنَّ المُعتبَرَ ما هو قُربةٌ عندَهم، وقد وُجدَ، ولكنَّا أُمِرنا بألَّا نَتعرَّضَ لهم فيما يَدينونَ كما لا نَتعرَّضُ لهم في عِبادةِ الصَّليبِ وبَيعِ الخَمرِ والخِنزيرِ فيما بينَهم.

ولو بَنى الذِّميُّ في حَياتِه بَيعةً أو كَنيسةً أو بَيتَ نارٍ كانَ مِيراثًا بينَ وَرثتِه في قَولِهم جَميعًا على اختِلافِ المَذهبَينِ.

أمَّا على أَصلِهما فظاهِرٌ؛ لأنَّه مَعصيةٌ، وأمَّا عندَه فلأنَّه بمَنزلةِ الوَقفِ، والمُسلمُ لو جعَلَ دارًا وَقفًا إنْ ماتَ صارَت مِيراثًا، كذا هذا.

فإنْ قيلَ: لم لا يُجعلُ حُكمُ البَيعةِ فيما بينَهم كحُكمِ المَسجدِ فيما بينَ المُسلِمينَ؟

فالجَوابُ: أنَّ حالَ المَسجدِ يُخالفُ حالَ البَيعةِ؛ لأنَّ المَسجدَ صارَ خالِصًا للهِ وانقطَعَت عنه مَنافِعُ المُسلِمينَ، وأمَّا البَيعةُ فإنَّها باقيةٌ على مَنافعِهم؛ فإنَّه يَسكنُ فيها أَساقِفتُهم ويُدفنُ فيها مَوتاهم، فكانَت باقيةً على مَنافعِهم فأشبَهَ الوَقفَ فيما بينَ المُسلِمينَ، والوَقفُ فيما بينَ المُسلِمينَ لا يُزيلُ مِلكَ الرَّقبةِ عندَه، فكذا هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>