للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الماوَرديُّ: وهذا صَحيحٌ، الوَصيةُ بكِتابةِ التَّوراةِ والإِنجيلِ باطِلةٌ، سَواءٌ كانَ المُوصي بها مُسلمًا أو ذِميًّا، وتَصحُّ عندَ قَومٍ استِدلالًا بأمرَينِ:

أَحدُهما: أنَّها من كُتبِ اللهِ المَنقولةِ بالاستِفاضةِ، فاستَحالَ فيه التَّبديلُ كالقُرآنِ.

والثاني: أنَّ التَّبديلَ -وإنْ ظهَرَ منهم- كانَ في حُكمِ التأويلِ ولم يَكنْ في لَفظِ التَّنزيلِ.

واللهُ تَعالى قد أخبَرَ عنهم -وخَبَرُه أصدَقُ- أنَّهم بدَّلوا كُتبَهم، فقالَ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٧٩]، وقالَ تَعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٨]، فأخبَرَ أنَّهم قد نَسَبوا إليه ما ليسَ منه، وحرَّفوا عنه ما هو منه، وهذا صَريحٌ في تَبديلِ المَعنى واللَّفظِ، وإنْ كانَ مُبدَّلًا كانَت تِلاوتُه مَعصيةً لتَبديلِه، لا لنَسخِه؛ فإنَّ في القُرآنِ مَنسوخًا يُتلَى كتِلاوةِ الناسِخِ، وإذا كانَت تِلاوتُه مَعصيةً كانَت الوَصيةُ بالمَعصيةِ باطِلةً.

فأمَّا قَولُهم: إنَّه مُستَفيضُ النَّقلِ فاستَحالَ فيه التَّبديلُ، فالجَوابُ عنه أنَّ الاستِفاضةَ شَرطانِ:

أَحدُهما: أنْ يَنقُلَه جَمٌّ غَفيرٌ وعَددٌ كَثيرٌ يَنتَفي عنهم التَّواطُؤُ والتَّساعُدُ على الكَذبِ والتَّغييرِ.

والثاني: أنَّه يَستَوي حُكمُ طَرفيِ النَّقلِ ووَسطُه، وهذا -وإنْ وُجدَ فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>