للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القِياسِ، لكنَّ القياسَ في العِباداتِ يَضعُفُ، فهذه هي أسبابُ الخِلافِ الواقِعِ في جَوازِ الجَمعِ. اه (١).

وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ : ولا معنَى للجَمعِ الذي ذهَبَ إليه أبو حَنيفةَ ومَن قالَ بقولِه؛ لأنَّ ذلك جائِزٌ في الحَضرِ، بدَليلِ قولِه في طرفَي وقتِ الصَّلاةِ: «ما بينَ هذَينِ وقتٌ»، فأجازَ الصَّلاةَ في آخرِ الوقتِ، ولو لم يَجزْ في السَّفرِ مِنْ سَعةِ الوقتِ إلا ما جازَ في الحَضرِ، بطَلَ معنَى السَّفرِ ومَعنى الرُّخصةِ والتَّوسِعةِ لِأجلِه.

ومَعلومٌ أنَّ الجَمعَ بينَ الصَّلاتَينِ في السَّفرِ رُخصةٌ لمَكانِ السَّفرِ، وتَوسِعةً في الوقتِ، كما أنَّ القَصرَ في السَّفرِ لم يَكنْ إلا مِنْ أجلِ السَّفرِ، وما يَلقَى فيه مِنْ المَشقَّةِ في الأغلبِ، وفي ارتِقابِ المُسافرِ ومُراعاتِه ألَّا يَكونَ نُزولُه إلا في الوقتِ الذي عَدَّه أبو حَنيفةَ مَشقَّةً وضِيقًا، لا سَعةً.

وقد أَجمعَ العُلماءُ على أنَّه لا يَجوزُ الجَمعُ بينَ العَصرِ والمَغربِ، ولا بينَ العِشاءِ والصُّبحِ، ولو كانَ الجَمعُ بينَ الصَّلاتَينِ في السَّفرِ على ما ذهَبَ أبو حَنيفةَ إليه والقائِلونَ بقولِه، لَجازَ الجَمعُ بينَ العَصرِ والمَغربِ بأن يُصلِّيَ العَصرَ في آخرِ وقتِها، ثم يَتمهَّلَ قَليلًا ويُصلِّيَ المَغربَ (٢).


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٢٤٢، ٢٤٣).
(٢) «الاستذكار» (٢/ ٢٠٨، ٢٠٩)، و «التَّمهيد» (١٢/ ١٩٨)، و «تبيين الحقائق» (١/ ٨٨)، والطَّحطاوي (١/ ١٢٠)، و «ابن عابدين» (١/ ٣٨٢)، و «البحر الرائق» (١/ ٢٦٧)، و «الشرح الصغير» (١/ ٣٢٠)، و «المجموع» (٥/ ٤٨٢)، و «المغني» (٢/ ٥٠٥، ٥٠٧)، و «الإفصاح» (١/ ٢٢٢)، و «الإنصاف» (٢/ ٣٣٤، ٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>