للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: فهذه الآثارُ مُحتمَلٌ أن تَكونَ على ما تَأَوَّلناه نَحنُ، أو تأَوَّلتموه أنتُم، وقد صحَّ تَوقيتُ الصَّلاةِ وتَبايُنُها في الأَوقاتِ، فلا يَجوزُ أن تَنتَقلَ عن أصلٍ ثابِتٍ بأمرٍ مُحتمَلٍ.

وأمَّا الأثَرُ الذي اختَلَفوا في تَصحِيحِه: فما رَواهُ مالِكٌ من حَديثِ مُعاذِ ابن جبَلٍ: «أَنَّهم خرَجوا مع رَسولِ اللهِ عامَ تَبوكَ، فكانَ رَسولُ اللهِ يَجمَعُ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ، وَالمَغربِ والعِشاءِ، قالَ: فأخَّرَ الصَّلاةَ يَومًا، ثم خرَجَ فصلَّى الظُّهرَ والعَصرَ جَميعًا، ثم دخَلَ ثم خرَجَ فصلَّى المَغربَ وَالعِشاءَ جَميعًا» (١).

وهذا الحَديثُ لو صحَّ (٢) لَكانَ أظهَرَ من تلك الأَحاديثِ في إِجازةِ الجَمعِ؛ لأنَّ ظاهِرَه أنَّه قدَّمَ العِشاءَ إلى وقتِ المَغربِ، وإن كانَ لهم أن يَقولوا: إنَّه أخَّرَ المَغربَ إلى آخرِ وقتِها، وصلَّى العِشاءَ في أوَّلِ وقتِها؛ لأنَّه ليسَ في الحَديثِ أمرٌ مَقطوعٌ به على ذلك، بل لَفظُ الرَّاوي مُحتَمِلٌ.

وأمَّا اختِلافُهم في إجازةِ القِياسِ في ذلك: فهو أن يُلحِقَ سائِرَ الصَّلواتِ في السَّفرِ بصَلاةِ: «عَرفةَ». وَ: «مُزدلِفةَ». أعني، أن يُجازَ الجَمعُ قِياسًا على تلك، فيُقالُ مثَلًا: صَلاةٌ وجَبَت في سَفرٍ، فجازَ أن تُجمعَ، أصلُه جَمعُ النَّاسِ بِ: «عَرفةَ». وَ: «المُزدلِفةِ»، وهو مَذهبُ سالمِ بنِ عبد اللهِ، أعني: جَوازَ هذا


(١) رواه مسلم (٧٠٦).
(٢) رواه مسلم كما تَرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>