للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كذلك عندَ عامَّةِ العُلماءِ، فلا بُدَّ أنْ يُشهِدَ شاهدَينِ عَدلَينِ، ولا يَكفي أنْ يُشهِدَهما على ما في الكِتابِ من غيرِ أنْ يَطَّلِعا عليه.

وممَّا شُهرَ من هَفواتِ بعضِ الأئِمةِ وهم من المُنتَمينَ إلى أَصحابِنا ما حُكيَ أنَّ الأميرَ نَصرَ بنَ أَحمدَ من أُمراءِ خُراسانَ أرادَ أنْ يُوصيَ بوَصايا فيَكتبَها فيُعملَ بكِتابِه، فاستَشارَ العُلماءَ، فلم يُفتُوا له بذلك، فاستَشارَ مُحمدَ ابنَ نَصرٍ المَروَزيَّ فأفتَى له بالتَّعويلِ على كِتابِه إذا استَوثَقَ فيه، ووضَعَه على يَدِ مَأمونٍ بمَشهدِ أُمناءَ، واحتَجَّ بظاهِرِ الحَديثِ، فحَظيَ عندَه وارتفَعَ قَدرُه.

وأجمَعَ عُلماءُ الزَّمانِ على تَخطئتِه.

ولا يَنبَغي أنْ يُجيلَ الإِنسانُ فِكرَه في هذا الفَصلِ؛ فإنَّه مِنْ أعظَمِ أَركانِ الشَّهاداتِ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ على هذا القَولِ: إنْ كتَبَ وَصيتَه وقالَ: اشهَدوا علَيَّ بما في هذه الوَرقةِ، أو قالَ: هذه وَصيَّتي فاشهَدوا علَيَّ بها، فلا تَصحُّ الوَصيةُ، فقد حُكيَ عن أَحمدَ أنَّ الرَّجلَ إذا كتَبَ وَصيتَه وختَمَ عليها وقالَ للشُّهودِ: «اشهَدوا علَيَّ بما في هذا الكِتابِ» لا يَجوزُ حتى يَسمَعوا منه ما فيه أو يُقرأَ عليه فيُقرَّ بما فيه.

لكنْ إنْ تَحقَّقَ بعدَ خَتمِها أنَّه خَطُّه عُملَ بالخَطِّ لا بالإِشهادِ عليها مَختومةً؛ لأنَّه كِتابٌ لا يَعلمُ الشاهِدُ ما فيه فلم يَجُزْ أنْ يَشهدَ عليه ككِتابِ القاضي إلى القاضي.


(١) «نهاية المطلب» (١٠/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>