للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشتِباهُ الخُطوطِ، وذلك كما يَعرِضُ من اشتِباهِ الصُّورِ والأَصواتِ، وقد جعَلَ اللهُ سُبحانَه لخَطِّ كلِّ كاتِبٍ ما يَتميَّزُ به عن خَطِّ غيرِه كتَميُّزِ صُورتِه وصَوتِه عن صُورتِه وصَوتِه، والناسُ يَشهَدونَ شَهادةً لا يَستَريبونَ فيها أنَّ هذا خَطُّ فُلانٍ، وإنْ جازَت مُحاكاتُه ومُشابَهتُه فلا بُدَّ من فَرقٍ، وهذا أمرٌ يَختصُّ بالخَطِّ العَربيِّ، ووُقوعُ الاشتِباهِ والمُحاكاةِ لو كانَ مانِعًا لمنَعَ من الشَّهادةِ على الخَطِّ عندَ مُعايَنتِه إذا غابَ عنه لجَوازِ المُحاكاةِ.

دَلَّت الأدِلةُ المُتضافِرةُ التي تَقرُبُ من القَطعِ على قَبولِ شَهادةِ الأَعمى فيما طَريقُه السَّمعُ إذا عُرفَ الصَّوتُ، مع أنَّ تَشابُهَ الأَصواتِ إنْ لم يَكنْ أعظَمَ من تَشابُهِ الخُطوطِ فليس دونَه، وقد صرَّحَ أَصحابُ أَحمدَ والشافِعيِّ بأنَّ الوارِثَ إذا وجَدَ في دَفتَرِ مُورِّثِه: «لي عندَ فُلانٍ كذا» جازَ له أنْ يَحلفَ على استِحقاقِه، وأظُنُّه مَنصوصًا عليها، وكذلك لو وُجدَ في دَفترِه: «أدَّيتُ إلى فُلانٍ مالَه علَيَّ» جازَ له أنْ يَحلفَ على ذلك إذا وثِقَ بخَطِّ مُورِثِه وأَمانتِه، ولم يَزلِ الخُلفاءُ والقُضاةُ والأُمراءُ والعُمالُ يَعتمِدونَ على كُتبِ بَعضِهم إلى بَعضٍ ولا يُشهِدونَ حامِلَها على ما فيها ولا يَقرَؤُونَها عليه، هذا عَملُ الناسِ من زَمنِ نَبيِّهم إلى الآنَ، قالَ البُخاريُّ في صَحيحِه: بابُ الشَّهادةِ على الخَطِّ وما يَجوزُ من ذلك وما يُضيَّقُ منه عليه وكِتابِ الحاكِمِ إلى عُمالِه والقاضي إلى القاضي، وقالَ بعضُ الناسِ: كِتابُ الحاكِمِ جائِزٌ إلا في الحُدودِ، ثم قالَ: وإنْ كانَ القَتلُ خَطأً؛ لأنَّ هذا مالٌ يَزعمُه، وإنَّما صارَ مالًا بعدَ أنْ ثبَتَ القَتلُ، فالخَطأُ والعَمدُ واحِدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>