للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نَصَّ في الشَّهادةِ أنَّه إذا لم يَذكُرْها ورأى خَطَّه لا يَشهَدُ حتى يَذكرَها، ونَصَّ فيمَن كتَبَ وَصيتَه وقالَ: «اشهَدوا علَيَّ بما فيها» أنَّهم لا يَشهَدونَ إلا أنْ يَسمَعوها منه أو تُقرأَ عليه فيُقرَّ بها.

فاختَلفَ أَصحابُنا، فمِنهم من خرَّجَ في كلِّ مَسألةٍ حُكمَ الأُخرى وجعَلَ فيها وَجهَينِ بالنَّقلِ والتَّخريجِ، ومنهم مَنْ امتنَعَ من التَّخريجِ وأقَرَّ النَّصَّينِ وفرَّقَ بينَهما.

واختارَ شَيخُنا التَّفريقَ، قالَ: والفَرقُ أنَّه إذا كتَبَ وَصيتَه وقالَ: اشهَدوا علَيَّ بما فيها؛ فإنَّهم لا يَشهَدونَ؛ لجَوازِ أنْ يَزيدَ في الوَصيةِ ويَنقُصَ ويُغيِّرَ، وأمَّا إذا كتَبَ وَصيتَه ثم ماتَ وعُرفَ أنَّه خَطُّه؛ فإنَّه يَشهدُ لزَوالِ هذا المَحذورِ، والحَديثُ المُتقدِّمُ كالنَّصِّ في جَوازِ الاعتِمادِ على خَطِّ المُوصي، وكُتبُه إلى عُمالِه وإلى المُلوكِ وغيرِهم تَدلُّ على ذلك، ولأنَّ الكِتابةَ تَدلُّ على المَقصودِ فهي كاللَّفظِ، ولهذا يَقعُ بها الطَّلاقُ.

قالَ القاضي: وثُبوتُ الخَطِّ في الوَصيةِ يَتوقَّفُ على مُعاينةِ البَيِّنةِ أو الحاكِمِ لفِعلِ الكِتابةِ؛ لأنَّها عَملٌ، والشَّهادةُ على العَملِ طَريقُها الرُّؤيةُ.

وقَولُ الإِمامِ أَحمدَ: «إنْ كانَ قد عُرفَ خَطُّه وكانَ مَشهورَ الخَطِّ يَنفُذُ ما فيها». يَرُدُّ ما قالَه القاضي؛ فإنَّ أَحمدَ علَّقَ الحُكمَ بالمَعرفةِ والشُّهرةِ من غيرِ اعتِبارٍ لمُعاينةِ الفِعلِ، وهذا هو الصَّحيحُ؛ فإنَّ القَصدَ حُصولُ العِلمِ بنِسبةِ الخَطِّ إلى كاتِبِه، فإذا عُرفَ ذلك وتُيقِّنَ كانَ كالعِلمِ بنِسبةِ اللَّفظِ إليه؛ فإنَّ الخَطَّ دالٌّ على اللَّفظِ واللَّفظُ دالٌّ على القَصدِ والإِرادةِ، وغايةُ ما يُقدَّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>